قال محمد عبد النباوي الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إن ملاءمة التشريع المغربي مع توصيات مجموعة العمل المالي والمعايير الدولية المنظمة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، يشكل مناسبة سانحة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية للاضطلاع بدوره التأطيري والتكويني للقضاة المعنيين بتطبيق هذا القانون.
وأوضح عبد النباوي في كلمة له بمناسبة افتتاح الدورة التكوينية حول تعزيز قدرات القضاة في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال، أن توسيع دائرة الاختصاص المحلي للمتابعة والتحقيق والمحاكمة عن جرائم غسل الأموال، لتشمل إلى جانب المحكمة الابتدائية بالرباط، كلاًّ من محاكم الدار البيضاء ومراكش وفاس، سيؤدي إلى مزيد من النجاعة الأمنية والقضائية في مكافحة أشكال غسل الأموال، وحماية الاقتصاد الوطني والحفاظ على نظافة الدورة الاقتصادية للمملكة.
وأضاف المتحدث أن الدورة التي ينظمها المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشراكة مع رئاسة النيابة العامة وبتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تأتي لأجل تجديد معارف القضاة المكلفين بقضايا غسل الأموال من جهة، وكذلك لدعم قدرات قضاة آخرين كُلِّفوا بالمحاكم التي استُحدِث بها هذا الاختصاص، للنظر في قضايا غسل الأموال، والذين سيشرعُون ابتداء من فاتح يناير 2022 في مباشرة الاضطلاع بتلك القضايا.
وأوضح عبد النباوي أن مبالغ الأموال غير النظيفة تكتسح الاقتصاد العالمي، وأن عمليات غسل الأموال تقدر بما يقارب 2200 مليار دولار، أي ما يعادل نسبة 3% من الناتج الخام الدولي (المقدر حوالي 85000 مليار دولار). معتبرا أن خطورة هذا الرقم تصبح أكثر دلالة بمعرفة أنها تقترب من الناتج الداخلي الخام لاقتصادات دول كبرى كالمملكة المتحدة (2828 مليار دولار)، وفرنسا (2775 مليار دولار)، والهند (20716 مليار دولار)، وتتجاوز الناتج الداخلي الخام لاقتصادات كبرى أخرى كإيطاليا (2072 مليار دولار)، والبرازيل (1868 مليار دولار)، وكندا (1711 مليار دولار)، وروسيا (1619 مليار دولار) وكوريا الجنوبية (1425 مليار دولار)، كما أن رقم المعاملات العالمي عن طريق غسل الأموال (2200 مليار دولار)، يعادل معدل الناتج الداخلي الفردي لحوالي 200 مليون فرد من سكان العالم، وهو ما يكفي للقضاء على المجاعة بالعالم، والتي يعاني منها حوالي 800 مليون شخص، يُتَوفى من بينهم 25000 شخص يومياً بسبب الجوع، بحيث إن اقتسامه بينهم يؤدي إلى حصول لكل واحد بين 800 مليون فقير على 230 دولاراً شهرياً، أي ثماني دولارات يوميا لكل فرد، وهو ما يكفي لمنع الموت بسبب الجوع.
وأبرز الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن الأرقام السابقة تظهر أهمية مكافحة غسل الأموال في العالم، كما يظهر أيضا سبب حرص السلطات المغربية على حماية الاقتصاد الوطني، ومنع اختراقه بعائدات الأنشطة الإجرامية وتداعيات ذلك على سمعة وشفافية ومصداقية المؤسسات الرسمية لدى الهيئات المالية الدولية، وذلك من خلال تبني المغرب لعدة تدابير إجرائية في مستويات متعددة تشريعية وتنظيمية وقضائية.
وذكر عبد النباوي أن مرور أزيد من عشر سنوات على تطبيق قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتقسيم الاختصاص القضائي الوطني بين أربع محاكم، يشكل مناسبة لتبادل الرؤى بين الممارسين والخبراء الوطنيين والدوليين، حول مختلف الجوانب التشريعية والتنظيمية والقضائية ذات الصلة.
وأشار إلى أن إشكاليات من قبيل مدى الاستقلالية أو التبعية بين الجريمة الأصلية وجريمة غسل الأموال، والتمييز بين مؤشرات الاشتباه المعتمدة في التحري والبحث، وعند الاقتضاء المتابعة، وحدود السلطة التقديرية لقاضي الموضوع في تقييم وسائل الإثبات، والاعتداد بالفعل الجرمي الأصلي حتى ولو ارتكب خارج الحدود، وحجية الأحكام الأجنبية أمام القضاء الوطني، وغيرها من المواضيع القانونية والعملية، جديرة بأن تقام حولها الدورات التكوينية بما يُسهم في تبادل المعارف والآراء، وتعميق الفهم وتوحيده، بما يخدم العدالة والأمن القانوني.