ظهرت أول حالة من المتحور الجديد “أوميكرون” بالمغرب، لتعيد المخاوف والتساؤلات حول كيفية ظهوره، خاصة وأن البلاد أغلقت حدودها الجوية، لتقول وزارة الصحة المغربية إن هذه الحالة محلية وليست وافدة.
في هذا الحوار مع البروفيسور سعيد المتوكل طبيب مختص في الإنعاش، وعضو اللجنة العلمية لتدبير جائحة كورونا، قدم أجوبة عن تساؤلات كيفية وسبب ظهور هذا المتحور بالمغرب، وما هي أسباب تراجع نسب التلقيح بالبلاد.
+ كيف ظهرت بشكل علمي أول حالة لمتحور “أوميكرون” بالمغرب؟
- الحالة التي تم تسجيلها غير وافدة، حسب التحريات الأولية، والتي ظهرت عند فتاة مغربية بالدارالبيضاء، والمختلطين معها من أهلها لديهم متحور “دلتا”، ولم يكن لها أي اتصال مع أي حالة من الخارج، وهذه الحالة ننتظر نتائج التحليلات التي تتطلب مزيدا من الوقت، لأنه يجب معرفة ما هي حالة الصفر أي الحالة الأولية، أو أنه كانت هناك حالة أخرى وانتقلت العدوى إليها.
نحن نعرف أنه منذ ظهور فيروس كوفيد في 2019، وهو يتحور طبقا لخاصيته الفيروسية التي تسمى “المكنون الجيني”، الذي يتكون من “الحمض الريبوزي”، ولهذا الفيروس خاصية التحور في أي مكان وفي أي لحظة، كما أن أنواع التحورات كثيرة لأن الفيروس عندما يدخل لخلية جسم الإنسان يتغدى ويتناسل منها ومن جيناتها بحيث يكون جينات جديدة، وعندما تتشكل نسخ كثيرة يقع تغيير كبير في الفيروس، وهو ما وقع في متحور “أوميكرون”.
+ هل يصيب متحور “أوميكرون أشخاص معينين ويؤثر عليهم أكثر من البقية؟
- الحالات التي يصيبها بقوة هذا المتحور هي حالات الأشخاص أصحاب الهشاشة المناعية، كما أن الظهور الكبير الذي لوحظ بالنسبة لمتحور “أوميكرون” هو أنه قد ظهر في الشطر الجنوبي من القارة الإفريقية، والذي يعرف نسب تلقيح ضعيفة لا تتجاوز 10 بالمائة، إلى جانب الهشاشة المناعية، كما أن هناك اختلاط كبير بين السكان، قد يؤدي لحدوث طفرات في المكونات الجينية للفيروس، وفي البروتينات الخاصة به، و”أوميكرون” يعرف طفرات كبيرة بأكثر من 30 طفرة في البروتين الشوكي الذي يعد مفتاح دخول الفيروس للخلية، كما أن له خاصية مميزة، وهي سرعة الانتشار الفائقة التي تفوق سرعة “دلتا”، وإن كانت أعراضه ليست بالخطيرة جدا.
+ هل المتحور الذي ظهر بالمغرب يختلف عن ما عرفته جنوب إفريقيا؟
- المتحور “أوميكرون” الذي ظهر بالدار البيضاء ينتمي لنفس فصيلة جنوب افريقيا، والمتحورات تظهر بشكل عشوائي وفي أي منطقة كانت، ويبقى الإشكال في سرعته، حيث ظهر في المنطقة الجنوبية بإفريقيا ليصل إلى نيجيريا وهولندا التي عرفت حالات غير وافدة ومحلية، وبطبيعة سرعة تحور هذا الفيروس فقد نشهد “أوميكرون” ينشئ في أي بلد بالعالم بشكل محلي دون التأثر بالخارج، وهو ما حصل بالمغرب.
+ هل نشهد متحور “أوميكرون” جديد مغربي الأصل؟
- متحور “أوميكرون” هو معرف كيفما كان منشأه، ولا يمكن أن نربطه ببلد ما، وله خصائص وبائية كسرعة الانتشار، مما يظهر حالات أخرى مشابهة، وهو ما عرفته بريطانيا التي شهدت ظهور حالة في أسبوعين لتنتقل لـ80 ألف حالة باليوم، وفي جنوب إفريقيا هناك ارتفاع صاروخي في عدد الحالات، لذلك يجب أن نركز حول سرعة انتشاره وليس منشأه.
+ إذا كان “أوميكرون” ذو أثار غير كبيرة هل الإجراءات الحكومية الحالية مبالغ فيها ؟
- هو نقاش كبير في جميع دول العالم، وأي إجراء كان يتم اتخاذه يعد قاسيا ومجحفا، وله انعكاسات اقتصادية واجتماعية وكذا سيكولوجية، فلا ننسى أنه منذ عامين ونحن في ظل هذه الأزمة الصحية الخانقة، والفيروس يفاجئ الجميع، والإجراءات التي تهدف للحد منه تكون دائما صعبة، ولكن المسعى للحد من الفيروس طويل.
شخصيا أجد أن التطور الذي سنلاحظه في المستقبل هو أن الفيروس سيبقى مهما أخدنا من تدابير، ويجب أن نتعايش معه، ولكن في نفس الوقت، يمكن أن يتطور حتى يصبح له متحورات سريعة في الانتشار، لكن بشراسة ضعيفة، وسيصبح مرضا عاديا، كما هو الحال بالنسبة للانفلونزا منذ ظهورها في أوائل القرن الماضي فيما يعرف ب”الزكام الاسباني”.
كما أن الوسائل المتاحة الآن لمواجهة هذا المتحور، هي تتمثل في دعم المكتسبات التي تم تحقيقها بإغلاق الحدود لكبح دخول المتحور لبلادنا، لكن المشكلة أنه الآن متواجد بيننا، ما يوضح أن مثل هذه الإجراءات التي تم اتخاذها ليست بالفعالة مائة بالمائة، ويتبقى لنا الآن فقط الاحتراز من وقاية وتعقيم لليدين والابتعاد عن التجمعات، والتي تبقى فعالة بشكل كبير لكبح انتشار أي متحور وليس فقط “أوميكرون”، وهذا المتحور يمكن أن يحد من فعالية التلقيح الذي نروم منه للخفض من الاستشفاء في العناية المركزة والإنعاش، وعدم ظهور الأعراض الخطيرة التي قد تؤدي للموت، واللقاحات لن تقضي على الفيروس بل ستحد من شراسته، والملقح وكذا غير الملقح يمكن أن يصابا بمتحور “أوميكرون”، وفي بريطانيا توجد حالة وفاة وحيدة من خلال هذا المتحور، وهو ما يظهر مستوى ضعف شراسته.
+ ما هو سبب تراجع نسب الإقبال على التلقيح ؟
- ما تمت ملاحظته منذ مدة طويلة هو أن الناس يقولون أن الحالة الوبائية بالمغرب ليست بالمقلقة بالشكل الكبير، وأن هذا المرض أصبح شبه عادي، وكثر اللغط حول الأثار الجانبية للقاحات وعدم فعاليتها، وهناك أراء بالنسبة لما يعرف بجماعة الضغط المناهضة للقاحات، وهناك جزء منها بالمغرب، خاصة بوسائل التواصل الاجتماعي، وقد أكثروا من الكلام والشائعات حول اللقاح وحول خطورته بدون أي أساس علمي كان، ويخلقون الهلع في أوساط الناس، ما يجعلهم يتراجعون في أخذ حقنهم ويشككون فيه وفي عمل وزارة الصحة واللجنة العلمية.
هناك دراسة حول هذا الموضوع تقول أن ذاكرة الناس لا تستوعب الكثير، لأن هناك أناس في مجتمعنا لا زالت تجهل عمل اللقاح، وتعتقد أنه الحل السحري لنهاية كورونا، وهناك من يراه كضرر وكمؤامرة، ولا يفهمون أنه مجرد مخف للأضرار الوخيمة لكوفيد 19، وبحسب دراسة صينية في سنة 1974، فهناك حقب في عملية التلقيح في أي جائحة كانت، حيث نجد الحقبة الأولى يمرض فيها الناس كثيرا، وتحدث وفيات كبيرة، لتأتي المرحلة الثانية التي يتواجد فيها اللقاح وتبدأ عمليات التلقيح لتنخفض نسب الوفاة والمرض، ليظهر في الحقبة الثالثة النقاش حول فعالية التلقيح نظرا لاستمرار ظهور أعراض جانبية رغم أخذ الجرعات بشكل كامل، ما يحدث نوعا من عدم الثقة، لنمر لمرحلة رابعة تتسم بعودة الإصابات والوفيات نظرا لتراجع التلقيح، ثم تأتي المرحلة الخامسة التي لابد أن تتسم بنوع من الاقتناع حول فعالية اللقاح، وربما اعتماد إجراءات مصاحبة قد تصل لإجبارية التلقيح.
+ هل سيعتمد المغرب إجبارية التلقيح في ظل ظهور المتحور “أوميكرون”؟
- إن إجبارية التلقيح هي نقاش كبير وفلسفي وصحي، وأخلاقيا يسمى بالأخلاقيات الطبية التي تنظم العلاقات بين الطبيب والمريض، حيث لا يمكن أن نجبر أي إنسان أو أي مريض على أخذ دواء لا يريده وأن الإنسان له الاختيار، حيث يقترح الطبيب على المريض الدواء لكن في حالة رفضه له فيجب احترام رأيه، وفي المجال الطبي لا يمكن أن نجبر المواطنين المغاربة الرافضين لتلقيح على تلقي جرعاتهم، ولكن هناك أناس متشبعين بالحريات الفردية الذين يخلقون مشاكل للجماعة، وبالتالي عليهم تحمل مسؤوليتهم الكاملة سواء أمام عائلاتهم وأمام صحتهم، وفي المغرب اللقاح هو اختياري، وسيبقى كذلك ولن يتم التراجع عنه، والمبدأ الكبير هنا في التلقيح هو الإقناع وليس التخويف والترهيب، ويبقى التحدي الكبير أمامنا الآن، هو كيف سنعيد المواطنين المغاربة للإقبال على التلقيح.
+ ما هي توصياتكم المقبلة للحكومة؟
- لدينا ترقب وتتبع للوضعية الوبائية حاليا، وتوصيات اللجنة العلمية ستكون حسب المؤشرات الوبائية، وحاليا هي غير مقلقة، والوضع يتسم بالهدوء، لكن هناك ترقب والرجوع للإجراءات المشددة مثل الحجر الصحي نستبعد التوصية لاعتمادها.