يحج المحامون الجمعة من كل فج صوب مدينة الرباط لمواصلة مسيرة الكرامة والأنفة والشرف، ويلتقي المحامون من كل ربوع المغرب قبالة مبنى محكمة النقض، حيث يوجد مقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، للاحتجاج هناك على ما يعتبرونه “زواجا غير دستوري” بين السلطة القضائية ونظيرتها التنفيذية.
وسعي الأخيرة إلى “إلتهام” الأولى وإخراجها عن حيادها، وتحويل المحاكم إلى ما يشبه المعسكرات عبر تطويقها بأرتال من الشرطة من مختلف النياشين والأصناف، والتسبب عنوة في عرقلة سير العدالة وتعطيل المحاكم لثلاثة أيام مع سبق الإصرار والترصد، كل ذلك من أجل تنزيل تلك “الدورية” التي كشفت المستور وأبانت البعض على حقيقته…
يلتقي المحامون غدا من كل المدن والهيآت أمام “أم المحاكم” لينقلوا آلام العدالة وآهات الحيف الذي طال القانون والدستور، يحملون جروح أسرة الدفاع التي تنزف “حكرة” وهم الذين لم يُمنعوا من دخول محاكمهم حتى في “سنوات الجمر والرصاص” ويعلنون كيف أقام المخازنية والشرطة وسيكيريتي معابر الميز والتعسف بحرم المحاكم، وكيف أقفلوا أبواب المحاكم بالسلاسل و”لقفولا”.
وكيف خرج بعض قضاة النيابة العامة من مكاتبهم وحولوا أنفسهم إلى حراس للمحاكم يمنعون المحامين الذين يفترض أنهم وإياهم من نفس ” الأسرة والشجرة” من دخلوها، ويصدونهم صدا وكأن المحاكم مسجلة ومحفظة بأسمائهم، وقد تخلوا عن حيادهم وأشهروا سلطاتهم، وكيف رصد التاريخ أن الدورية المنحوسة تسلطت فقط على رؤوس المحامين وبعض الموظفين دون القضاة، في وطن يقولون لنا إنه وطن الجميع، ووطن المؤسسات، ووطن القانون والدستور وهلم حكيا….
سيصدح المحامون في عيد الجمعة بانزياح قطار استقلال القضاء عن السكة، وباستغلال قانون الطوارئ الصحية لممارسة القهر والجور والتحكم، سيسألون هناك السؤال العريض” ألم يلزم قانون الطوارئ الصحية في مادته الثالثة الحكومة بالامتناع عن تعطيل المرافق العمومية ببلاغاتها وقراراتها؟”، ألم يتم استثناء قطاعي الصحة والتعليم من وجوب الإدلاء بالجواز المشؤوم؟ ألا تحتل المحاكم ذات القيمة والشأن في أهواء المشرعين؟…
سيسطر المحامون يوم الجمعة بالرباط سطرا جديدا من أسطر الفخر بأنهم وقفوا في وجه الطغيان حين انحاز الباقون إليه، ورحبوا به وأبانوا عن حماس منقطع النظير لتنزيله، وحدهم المحامون ضحوا بوقتهم وقوتهم وخبز أبنائهم وحبال صوتهم ليقولوا للجماهير “محاموكم يحموكم” من كل تجبر وبلطجة بإسم قانون الطوارئ الصحية بدورياته الشاذة التي زرعت التطرف في القلوب حتى بات الناس يفضلون المرض بالفيروس على هذا الكم الهائل من البغي، مؤمنون بأن الموت بكتاب، مع وجوب الأخذ بالأسباب، قبل أن ينقلب الإنقلابيون على القوانين ويفرضون حجرا ووصاية على العقول وينتحلون صفة المتباكين البكائين على الصحة العمومية…
في المقاهي كما في الأسواق، وفي القطارات كما الطوبيسات والطاكسيات كما في كبريات المتاجر وخطوط الطرامواي وفي الحمامات كما في الحفلات والأعراس وفي ملاعب القرب كما في المدارس كما في الكليات والمستشفيات هناك اختلاط واكتظاظ وازدحام ولا جواز لقاح ولا هم يحزنون، ولا يصبح الأمر خطرا وجللا إلا بمداخل محاكم على قلتها وقلة مرتاديها مقارنة مع ما سبق عرضه من فضاءات…
كانت غاية بعض أشباه السياسيين المغترين بحقيبتهم هي تركيع المحامين منذ أن تبجح كبيرهم وحشر أنفه في “ضريبة المحامي” ثم توعدهم، وإذا به يقرر “إعادة تربيتهم” بعدما بات هذا المصطلح سوطا يهددنا به “الكبار”…
سيقول المحامون كلمتهم، وسيدونها التاريخ، وسيبقى العار ملتصقا بكل من خذل الدفاع وغدر به وتشفى فيه وتسلط عليه متبخترا بسلطة زائلة لو دامت لغيره ما وصلت إليه.
فعدمنا خلينا إن لم تروها تثير النقع موعدها الرباط.
*كاتب وحقوقي