تمغربيت24
تحل غدا ذكرى ولادة شاعر غير الشعر إلى الأبد، فحرره من القيود، وأغنى الوجدان والاستعارات والصور، وفتح الباب لتحولات شعرية كبرى، انتصرت للصورة والإيقاع الداخلي والانزياح وللوظيفة الشعرية بمفهوم الشكلانيين الروس، وإن لم يتحرر كليا من سلطة الخليل، إلا أنه طوع البحور الشعرية، وغير البيت بالسطر أو الجملة الشعرية، وحرر كاهل القصيدة من رقابة القافية، مؤسسا الموسيقا التشاكلية… من العبارة والصورة، هو بدر شاكر السياب، الذي قلب بنية القصيدة العمودية، منجزا تحولا عميقا مخالفا لمشروع تيار البعث والإحياء الذي ظل أسيرا للعمود وإن كيف قضاياه ومعجمه وموضوعاته.
وُلد الشاعر العراقي بدر شاكر السياب في 25 ديسمبر 1926، في قرية جيكور الصغيرة بمحافظة البصرة، حيث كانت الطبيعة الخلابة تراقب خطواته الأولى. فقدت والدته وهو في سن مبكرة، مما ترك أثرًا عميقًا في نفسه وشكل جزءًا من ملامح شخصيته الشاعرة. كانت طفولته مليئة بالحنين والفقد، مما ساهم في تشكيل رؤيته الشعرية التي ستتجاوز الحدود.
بداية المسيرة الشعرية
درس السياب في دار المعلمين ببغداد، وهناك بدأت ملامح موهبته الشعرية تتجلى. تأثر بالأدب الإنجليزي والشعر العربي التقليدي، لكنه سرعان ما بدأ في البحث عن أسلوب خاص به. في عام 1947، أصدر ديوانه الأول “أزهار ذابلة”، الذي عكس التحولات الفكرية والاجتماعية التي عاشها. كانت قصائده بمثابة صرخة تعبر عن آلام الشعب العراقي ومعاناته، حيث تميزت بالعمق العاطفي والرمزية.
رائد الشعر الحر
يُعتبر السياب من رواد الشعر الحر، حيث أسس هذا النوع الشعري مع الشاعرة نازك الملائكة. قصيدته الشهيرة “أنشودة المطر” تُعدّ واحدة من أبرز أعماله، حيث تتناول موضوعات الحب والفقد والأمل بأسلوب شعري فريد. استخدم السياب الرموز الطبيعية للتعبير عن مشاعره، مما أضفى على شعره طابعًا خاصًا يجمع بين الجمال والعمق.
أهم أعماله
من بين أهم دواوينه:
– أنشودة المطر: قصيدة تجسد الصراع بين الأمل واليأس.
– المعبد الغريق: عمل يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الوجود.
– شناشيل ابنة الجلبي: قصيدة تعكس جماليات الحياة اليومية وتفاصيلها.
تتميز أعمال السياب بالتدفق الشعري والخروج عن الأشكال التقليدية، حيث سعى إلى التحرر من قيود الوزن والقافية. كان يتناول قضايا وجودية وسياسية بجرأة، مما جعله صوتًا للجيل الذي عاش في خضم التغيرات الاجتماعية والسياسية.
الحياة الشخصية والمعاناة
عانت حياة السياب من ظروف صحية صعبة، إذ أصيب بمرض السل الذي أثر على صحته بشكل كبير. ورغم ذلك، لم يتوقف عن الكتابة والإبداع. انخرط في النشاطات السياسية، مما أدى إلى اعتقاله وهجرته إلى الكويت، حيث عاش في المنفى بعيدًا عن وطنه الحبيب. توفي في 24 ديسمبر 1964، تاركًا وراءه إرثًا شعريًا عظيمًا يُحتفى به حتى اليوم.
تأثيره وإرثه
يُعتبر بدر شاكر السياب رمزًا للأمل والتحدي؛ إذ تجسد أعماله الروح الإنسانية في مواجهة اليأس. لقد ساهمت كتاباته في تشكيل الشعر العربي الحديث وأثرت في العديد من الشعراء الذين جاءوا بعده. لا تزال قصائده تُقرأ وتُدرس، لتظل صدىً لآلام وآمال أجيال متعاقبة، ولتؤكد أن الكلمة القوية قادرة على تجاوز كل الحواجز.