عامل سطات: من مقاربة التنسيق إلى مقاربة التسخسيخ: شعبوية السلطة

تبا للكرسي... العيب في شهوة الزعامة يا سادة

آخر تحديث :
عامل سطات: من مقاربة التنسيق إلى مقاربة التسخسيخ: شعبوية السلطة
خالد أخازي

ظهر عامل إقليم سطات في فيديو مثير تم تعميمه، وهو في قمة الغضب، يوجه كلمات قاسية إلى المدير الإقليمي للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.

كنا كأننا نشاهد حلقة جديدة مثيرة من مسلسل ” الإصلاح بالسخسخة”، والحساب” بالتبوريدة” والتنسيق ” بالتصرفيق” طبعا… التصرفيق المعنوي لا الجسدي….حيث يتقمص العامل دور  فقيه المسيد بعصاه الطويلة، التي يوقظ بها النيام والكسالى، بينما المدير الإقليمي يبدو كأنه صبي في هذه المسرحية يلعب دور ” شاهد ما عرفش حاجة”.

تدور أحداث هذه القصة حول تأخر تنزيل صفقة ما، والتي يبدو أنها مشروع تكفلت به وزارة “الحلواني” برادة. هذا الوزير الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى خبير في البيداغوجيا والتقييم والتقويم، وكأنه قرأ كتابًا سحريًا عن التعليم ومدارس الريادة.

كان العامل ينفجر غضبًا ويوجه عبارات جارحة كأنه رب ورشة والمدير الإقليمي  بدا ذاك الصبي الذي يتعلم من معلمه الحرفة، يلتزم الصمت، وكأنه يتلقى دروسًا في فنون التملق، والنجاة بالسكوت من مد العامل الغضبان.

ما حز في القلب هو ركون المدير الإقليمي للصمت. فقد كان في موقف لا يُحسد عليه، حيث تعرض لقصف العامل من كل الاتجاهات مرتبكا… مضطربا.. يبحث عن شيء ما بين أوراقه هروبا من القصف…وكأن لسانه قد انعقد، واختار أن يكون باهتًا ومتابعًا وتابعا، لا مستقلاً برأيه ولا مدافعًا عن نفسه وعن صورة المؤسسة التي يمثلها. هل كان خائفًا من رد فعل العامل؟ أم أنه كان يشعر بالهلع  مما يحدث؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها…؟

هذا الصمت لم يكن مجرد غياب للكلمات، بل كان تجسيدًا لواقع مرير يعاني منه الكثيرون في قطاع التعليم. فهل يعقل أن يقبل مدير إقليمي بأن يُهان بهذه الطريقة دون أن يدافع عن كرامته وكرامة قطاع يمثله، ليس له من رأسمال سوى كبريائه؟

العامل الذي كان في فورة غضب أطلق عبارات جارحة بحق المدير الإقليمي، فيها شيء من الإذلال والتسلط. وكأننا نشاهد مشهدًا من فيلم رعب حيث يُظهر البطل قوته على الضحية. لكن ما لا يفهمه الكثيرون هو أن هذا النوع من التصرفات لا يعكس القوة بل الضعف، بل يعكس اختلالات تواجه أحيانا بالجبن وأحيانا كثيرة  بالتملق.

قد نتفهم سلوك العامل في سياق ما تحاول وزراة لفتيت إصلاحه من اختلالات ذات طابع أفقي، وبصراحة المساطر والإجراءات لا اللسان والخرجات، كأننا  في زمن يعيد كلشيهات ماض بارد… يا سادة… ألم نقطع مع هذا العهد…؟ من أيقظ شيطان التسلط من قبره، لقد دفناه معا… وتعانقنا… ومضينا نحو المستقبل دون ضعينة…

ما تعرض له المدير الإقليمي للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة… يحتاج وقفة تأمل..  مهما كان مخطئا… فالعامل… ليس له سلطة التوبيخ العلني… ولا الإصلاح بالجراح، ولا المراقبة بالعقاب اللغوي، ولا بالشعبوية السلطوية…

نعم… للسلطة خطاب شعبوي حين يقول العامل” خرج علينا… باركا من لكذوب على الناس”… كأنه يقدم نفسه بديلا سياسيا لا سلطة وصية، بالقانون لا بالعربدة اللغوية… العيب ليس فيه… بل في الكرسي الذي غدا حلم كل عابر في حلم الوطن… تبا لك أيها الكرسي… لقد اغتلت بيد ناعمة كثيرا من الرجال… حتى فرسان الزمن الجميل

لكن ما لا نفهمه هو صمت المدير الإقليمي وقبوله وضعاً لا يشرف رجال ونساء التعليم. فهل أصبح التعليم خال من فرسان زمان الذين يعفون عن المنصب مقابل الكرامة…؟

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يستحق الكرسي كل هذا الإذلال؟ هل المناصب والمراكز تعني أكثر من كرامة الإنسان؟ كان حريًا بالمدير أن ينبه العامل إلى تجاوزاته، حتى لو كان الثمن هو كرسيه. فالكرامة لا تُوزن بالكرسي ولا بالمناصب.

إن ما حدث في هذا الفيديو ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو تجسيد لواقع مرير يعاني منه قطاع التعليم في المغرب. فبينما يسعى البعض للإصلاح والتغيير، نجد آخرين يتشبثون بمواقعهم دون أن يقدموا أي قيمة مضافة.

إذا كانت هناك رسالة يجب أن تصل من هذا الفيديو، فهي دعوة للتغيير. تغيير سلوكيات القادة والمسؤولين الذين يجب أن يكونوا قدوة للآخرين. تغيير ثقافة الصمت والخوف التي تسيطر على الكثيرين في هذا القطاع.

فلنتذكر دائمًا أن التعليم هو مستقبل الأمة، وأن المسؤولين عنه يجب أن يتحلوا بالشجاعة والكرامة للدفاع عن حقوقهم وحقوق الآخرين. إننا بحاجة إلى قادة يعرفون كيف يتحدثون بصوت مرتفع عندما يتعلق الأمر بالكرامة الإنسانية.

وفي النهاية، يبقى المشهد الذي شهدناه في فيديو الغضب مجرد ضحكة على واقع مرير نعيشه جميعاً. فبينما يشتكي الجميع من تأخر المشاريع والمبادرات، نجد أنفسنا محاصرين بمشاكل أكبر تتعلق بالكرامة والاحترام المتبادل.

فلنتعلم من هذه الحادثة ونحولها إلى فرصة للتغيير والتحسين. ولنتذكر دائمًا أن التعليم ليس مجرد أرقام أو صفقات، بل هو إنسانية قبل كل شيء… نحن يا وزير التعليم في حاجة لقادة شجعان… لا لقادة من الشمع.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الأخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق