التمثيل ليس موهبة بالمعنى المتعارف عليه، والتي تُولد مع الإنسان، بحيث يكون إما ممثلاً بالفطرة أو لا يكون. بل إن القدرات التي تظهر على الأفراد منذ طفولتهم هي في الحقيقة نتاج للتنشئة الاجتماعية المبكرة. صحيح أن هناك جانبًا بيولوجيًا يمكن أن يؤثر في هذه القدرات عبر الوراثة، إلا أنه ليس العامل الأساسي.
العامل الحاسم هو البيئة التي ينشأ فيها الفرد، والطريقة التي يُسمح له فيها بالتعبير بحرية منذ طفولته.
إذا أتيحت للطفل مساحة كافية للتعبير عن نفسه، وتلقى ردود أفعال إيجابية مثل التشجيع المستمر (“برافو، أعد ما فعلت، قل لنا المزيد…”)، دون قمع أو تخويف، فإن ذلك يساعد في تطوير شخصيته التعبيرية. على النقيض، فإن الضرب، القمع، أو التخويف بواسطة “البعبع” أو أي صور مخيفة قد تخلق عوائق نفسية تحول دون تنمية هذه القدرات.
مفهوم “تكوين الممثل”
إن مفهوم “تكوين الممثل” يشير إلى سلسلة من التدريبات والتمارين التي يخضع لها الشخص الراغب في أن يصبح ممثلاً. هذه التدريبات ضرورية قبل أن يبدأ بقراءة النص المسرحي أو السيناريو المكتوب، وحتى الأشخاص الذين تبدو عليهم “علامات الموهبة” – بمعنى أنهم يمتلكون كاريزما طبيعية أو سمات قيادية – غالبًا ما يكونون غير قادرين على أداء الأدوار بشكل احترافي دون تعلّم “تكنيك التمثيل”.
فن التمثيل: التكنيك قبل الموهبة
التمثيل هو في الأساس امتلاك “تكنيك التمثيل”، وهو فن قديم ذو ضوابط وقواعد وتمارين أكاديمية. هذا التكنيك متاح للجميع بغض النظر عن الصفات الشخصية أو الجسدية: الغني والفقير، الطويل والقصير، السمين والنحيف، الجميل والأقل جمالاً، المندفع والخجول.
نظرة متفحصة إلى تاريخ بعض الممثلين العالميين تكشف لنا كيف أن طفولاتهم وإمكاناتهم الأولية لم تعكس حجم الأداء المبهر الذي قدموه لاحقًا. على سبيل المثال:
روبرت دي نيرو: كان طفلاً خجولًا للغاية، حتى أن زملاءه في المدرسة أطلقوا عليه لقب “بوبي ميلك” بسبب بشرته الشاحبة وخجله.
هاريسون فورد: لم يحظَ بأي اعتراف أو إشادة بموهبته التمثيلية حتى لعب دوره في فيلم “هان سولو”.
سيلفستر ستالون: وُلد بعصب ميت في وجهه مما تسبب في شلل جزئي ومشاكل في النطق، ومع ذلك أصبح رمزًا سينمائيًا بفضل إصراره.
إيما واتسون: عانت من التوتر والخوف الشديد من الأداء أمام الجمهور، لكنها مع التدريب تمكنت من تقديم أداء مبهر في دور “هيرميون” في سلسلة Harry Potter.
مارلين مونرو: عانت من طفولة صعبة وكانت خجولة جدًا في بداياتها. في البداية، لم تكن تُعتبر موهبة تمثيلية واعدة.
التدريب الطويل والشاق، باستخدام منهجية صحيحة وتحت إشراف مدربين متمرسين، هو الطريق لبناء المهارات التي تُعرف خطأً بالموهبة. التمثيل هو تكنيك يتم تحويله من حالة معقدة إلى سلوكيات عفوية على المسرح أو أمام الكاميرا، وليس مجرد موهبة فطرية كما يعتقد البعض.
وفي المقالات القادمة، سنتطرق بالتفصيل الممل إلى هذه التكنيكات وسوف نتعرف على عالم التمثيل من العمق.