تابعت الاحتفالية التي نظمها رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بمناسبة السنة الأمازيغية، حيث تحدث عن تفعيل الأمازيغية في الإدارات ومختلف مجالات الخدمات. رأيته يتحدث عن مسار الأمازيغية في التعليم، وكيف يحتفل بوجبة من المائدة الأمازيغية. كان الرجل يبدو منتشيًا وسط الأهازيج الأمازيغية، لكنني كنت أتابعه بأسى، وأخشى عليه بعد عام من التحديات.
سأقول لأخنوش: الأمازيغية ليست مجرد وجبة تقليدية لم تعد تطالها الأسر الأمازيغية. هل تعتقد أن العسل وزيت الزيتون وزيت أركان وكل الوجبات التقليدية لا تزال حاضرة على موائد الأمازيغ والعرب وغيرهم من المغاربة في زمنك؟ الأمازيغية أكبر من حساء بالشعير والزعتر؛ إنها تل الزعتر حين نبتعد عن رائحة الوطن.
الأمازيغية أكبر من لقمة خبز مغموسة في عسل “حر”، فهي وجه الحرية التي ضاقت في زمنك. هي أكبر بكثير من عد زمني يؤرخ لانتصار زعيم على آخر؛ تاريخها يبدأ مع الأرض ومن الأرض وبالأرض. حيث السلام والسخاء والبهاء والمطر والخصب والعشق والحرية تنمو شجرة أمازيغية لا يقتلها القهر، ولكن يقتلها الشوق لطبول أحواش ومواويل أحيدوس.
تبدأ السنة الأمازيغية في تاريخنا عندما نجد الكرامة مصانة. والسنة الأمازيغية أكبر بكثير من احتفال بالزي والذوق والأهازيج؛ هي احتفال بالحرية والكرامة والسلام والعدل والمساواة. هي أكبر بكثير من صخب فكري ضد الآخر، وصديقة السماء قبل النماء.
هي المسجد والمنارة، والحصير والمسيد والخيمة والنشيد. تكلم بما شئت وكن حرًا، تكن أمازيغيًا. اختر قبلتك وكن وفياً، صرت أمازيغيًا. عش معنا الرخاء وشاركنا الموت والحياة، فهذا شرط أساسي لتكون أمازيغيًا.
الأمازيغية عيش وقيم، لا زي ولا غناء. هي كل البهاء الذي يأتي حين تضيق الحياة. سل عنها الأمازيغيات اللواتي يلدن على الطريق، والأخريات اللواتي يمتن على نعوش من أعمدة مخشبة بين فج وآخر بحثًا عن الطيب. سل عنها النساء اللواتي قهرهن القر والحر والعراء بين خرب الحوز في الخيام.
سل عنها طفولة أمازيغية ضائعة في الجبال، تحلم بحذاء يقيها الشوك. سل عن الدواوير النائية التي تعيش العوز بكبرياء الأرض. سل عن كل واحات النخيل التي تموت واقفة حالمة. سل عن امرأة ماتت على بوابة مستشفى، وعن شيخ لا يجد الدواء ولا العزاء ولا حطب الشتاء.
سل عن فتيات كن يصنعن الأمل بالوجع والقهر في خرائط الجبل والمدشر والدواوير. سل عن نساء يرحلن في الغبش رحلة الماء، وعن أخريات يهجرن المنازل نحو الأندلس المفقودة بحثًا عن العملة الصعبة في الأيام الصعبة.
سل عن المرضى والحوامل والعاطلين… كل المختفين في مغرب لا تعرفه. سل عن مدارس متآكلة على حافة الجبل تعلم الصبر والفرح المزيف. سل عن طريق لا تصل أبدًا لباب يغلقه الشتاء، وحظائر لا خوار فيها ولا ثغاء، وسطوح لم يعد يملؤها صياح ديك السعد.
سل عن مصايف حزينة جدباء بلا أعراس ولا أحواش ولا أحيدوس. سل عن كتب الأولين من أمغار إلى أغرام إلى لمرابط. سل عن الموت الذي يحلق فوق سماء الأحرار لمجرد لدغة عقرب.
سل عن موائد الفقراء وهلوسات الأولياء وغربة النساء في خيام الشقاء. لا تسل عمن يبحث في الهوية وينسى العدالة؛ لأنه يتناول الطعام في مطاعم راقية بالرباط وينسى أن الهوية مجرد تغطية للغنيمة.
لا تصدق من يحييك بالأمازيغية ويفكر بلغة أعجمية ويعيش زمنًا عباسياً بامتياز ويكره بني أمية. لا تصدق الكتب والشعراء والمفكرين وهم يتحدثون عن الأول والأصل والنوع واللباس والإيقاع؛ فأكثرهم أمازيغ الحالة المدنية لا الحالة الاجتماعية.
أمازيغ العبور لا الحبور، أمازيغ الخريطة لا الذخيرة، أمازيغ الأصول لا الفصول، أمازيغ الكراسات لا الحبر والمعاناة.
تبدأ السنة الأمازيغية يا أخنوش بعيدًا عن قريتك الهوليودية؛ تبدأ من أي مكان بالمغرب بالحرية والعدالة. حين تجد العدالة والحق طريقهما نحو المنافي، وحين لا تموت امرأة على خشبة وعصبي من الرجال يحملونها نحو المجهول.
وحين لا تجوع امرأة، ولا يضيع طفل، ولا يجف نبع الأمل… تعال نحتفل بالسنة الأمازيغية بعيدًا عن صخب الوهم وعن النظريات. حيث توجد الحرية والكرامة يوجد صف الأمازيغ.
والأمازيغ هم نحن حتى العرب؛ لأن الأمازيغية ليست مجرد عرق؛ فهي الحرية وكلنا أحرار دون أن نكون تجمعيين.