تحولت جولات الحوار القطاعي بين النقابات التعليمية ووزارة التربية الوطنية إلى حلقة مفرغة من الوعود غير المنجزة، حيث تستمر الوزارة في نهج أسلوب الاتفاق دون التزام حقيقي بالتنفيذ.
فبينما تطالب النقابات بتسريع تنزيل النصوص التنظيمية للنظام الأساسي وإتمام أجرأة مضامين اتفاقي 10 و26 دجنبر 2023، تواصل الوزارة المراوغة والتسويف، مكتفيةً بخطاب مطمئن لا يسنده واقع عملي.
اللقاء الأخير، الذي عُقد يوم الخميس، لم يكن سوى تكرار لما سبقه، حيث جرى استعراض الملفات التي شهدت “تقدمًا”—وفقًا لتعبير الوزارة—دون تقديم أي ضمانات واضحة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
النقابات، من جهتها، شددت على ضرورة التنسيق مع القطاعات الحكومية المعنية لحسم الملفات العالقة، لكن الوزارة لا تزال تُدير المشهد بمنطق التجزئة والمماطلة، ما يجعل الثقة في جدية وعودها تتآكل يومًا بعد يوم.
في ملف الترقيات، لا يزال الموظفون ينتظرون تسوية أوضاعهم، رغم التوافقات السابقة. أما في ما يتعلق بالمساعدين التربويين، فلا يزال الغموض يلف التزامات الوزارة تجاه مطالبهم، من حذف الدرجتين 4 و5 إلى التعويض عن المهام الإدارية. كما أن الاقتطاعات من أجل الإدماج لا يزال يشكل عارا على وزارة برادة، في ظل تلكؤ من الجهات المسؤولة.
النقابات جددت مطالبتها بتدخل رئاسة الحكومة أخنوش لاستصدار تراخيص استثنائية لتسريع وتيرة تنفيذ المواد 81 و87 و89 من النظام الأساسي الجديد، وهي مطالب تؤكد أن الوزارة عاجزة عن فرض رؤيتها داخل دواليب الحكومة، أو أنها ببساطة غير مهتمة بإيجاد حلول حقيقية.
أما ملف الترقية لشيوخ القطاع ضحايا تجميد وضعياتهم، وتسوية الوضعيات العالقة وملف المساعدين والتسوية المالية للمتصرفين التربويين المتضررين من الإدماج عامي 2021 و2022، فتبقى مجرد وعود تُردد في الاجتماعات دون أي إجراءات ملموسة على الأرض. حتى الاجتماعات التقنية المقررة للأسبوع المقبل تبدو، وفق التجارب السابقة، مجرد محطة جديدة لتمديد زمن الانتظار، بدلًا من أن تكون خطوة فعلية نحو الحسم في الملفات العالقة.
المثير في الأمر أن الوزارة تحاول تغليف هذه المراوحة بمسميات من قبيل “البناء المشترك” و”الحوار الإيجابي”، بينما الواقع يكشف أن ما يحدث هو إعادة إنتاج لنفس المنهجية البيروقراطية البائدة: اتفاقات على الورق، وغياب تام للإرادة السياسية في التنفيذ.
في ظل هذا الوضع، لا يبدو أن النقابات قادرة على كسر هذه الحلقة المفرغة إلا بالتصعيد. فالحوار الذي لا يؤدي إلى حلول ملموسة لا يعدو أن يكون وسيلة لتخدير المطالب وتأجيل الاحتقان، إلى حين انفجاره في وجه الجميع.