الفساد السياسي في المغرب لم يعد مجرد استثناء، بل تحول إلى قاعدة تترسخ يوماً بعد يوم، وسط مشهد يتكرر فيه سقوط البرلمانيين والمسؤولين في قبضة العدالة بتهم تتراوح بين تبديد المال العام والارتشاء واستغلال النفوذ.
آخر هذه الحلقات كان الحكم على البرلماني إبراهيم بنديدي عن حزب الأصالة والمعاصرة بالسجن ثلاث سنوات وغرامة مالية، بعد إدانته بتهم اختلاس أموال عمومية أثناء رئاسته لجماعة تنغير.
لكن القضية، رغم رمزيتها، لا تحمل أي مفاجأة، بقدر ما تعكس واقعاً سياسياً بات فيه الفساد جزءاً من هندسة السلطة.
في بلد حيث الأحزاب تتنافس على شعارات النزاهة والإصلاح، يبدو أن المنافسة الحقيقية تدور في كواليس الصفقات والامتيازات، حيث يتحول المنصب الانتخابي إلى استثمار مربح أكثر من كونه مسؤولية وطنية. فمع توالي الفضائح، يتضح أن المشكلة ليست في حزب دون آخر، بل في منظومة تسمح بتسلق هرم السلطة دون حساب، وتوفر حماية غير معلنة للمفسدين حتى تسقط ورقة التوت. من الأصالة والمعاصرة إلى التجمع الوطني للأحرار، ومن الحركة الشعبية إلى الاستقلال، تتكرر الأسماء، وتختلف المواقع…
لكن النتيجة واحدة: مسؤولون متهمون، وأحزاب تتبرأ، وحكومة تواصل تقديم خطابات جوفاء عن محاربة الفساد.
في كل مرة يدان فيها سياسي، يتردد السؤال ذاته: هل هذه محاسبة حقيقية أم مجرد تصفية حسابات بين مراكز النفوذ؟ حين تكون العقوبات مجرد غرامات هزيلة مقارنة بالمبالغ المختلسة، وحين يعود بعض المدانين إلى المشهد السياسي بعد سنوات قليلة، يصبح من الصعب الحديث عن إرادة جادة لإصلاح الوضع. هذه الأحكام، مهما بدت صارمة، لا تزال أقرب إلى “غرامات عبور” يدفعها السياسيون الفاسدون قبل العودة إلى ممارسة أدوارهم كما لو أن شيئاً لم يكن.
الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الفساد ذاته، بل في انهيار ثقة المواطن في المؤسسات. حين يرى الناس أن البرلمان، المفترض أن يكون ممثلاً للشعب، يضم بين صفوفه أسماء متورطة في قضايا نهب المال العام، وحين يدركون أن الانتخابات ليست سوى إعادة توزيع لمراكز السلطة بين شبكات المصالح، فإن النتيجة الحتمية هي العزوف عن السياسة، وانتشار العدمية، وغياب أي أمل في التغيير. وحين يغيب الأمل، يفتح الباب لكل السيناريوهات الخطيرة التي قد تهدد استقرار البلاد على المدى البعيد.
القضية لم تعد قضية أشخاص، بل قضية منظومة معقدة والجهات المسؤولة باتت بحاجة إلى إعادة تعريف قواعد اللعبة السياسية. فإما أن تكون هناك محاسبة حقيقية، وإما أن يستمر الفساد كمعطى طبيعي في الحياة العامة، وحينها لن يكون السؤال “من التالي؟” بل “متى ينهار كل شيء؟”.