أثار تصويت الفريق الحركي بمجلس المستشارين لصالح قانون الإضراب تساؤلات عدة، خاصة وأن الحزب كان قد اتخذ موقفًا معارضًا له في مجلس النواب. هذا التحول لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق السياسي العام، بل يعكس استراتيجية تكتيكية تهدف إلى تعزيز موقع الحركة الشعبية ضمن الخريطة السياسية الحالية، وربما المستقبلية.
يمكن تفسير تصويت الحركة الشعبية على أنه خطوة تكتيكية محسوبة، تحمل في طياتها رسالة واضحة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، مفادها أن الحزب مستعد للعب أدوار جديدة في المشهد السياسي، خاصة في حالة حدوث تصدعات داخل الأغلبية.
هذا التصويت يُفهم على أنه “أوراق اعتماد” تقدمها الحركة الشعبية لأخنوش، مفادها: نحن في الخدمة إذا احتاجتنا الأغلبية لسد أي فراغ قد يطرأ نتيجة انسحاب أو تمرد أحد مكوناتها.
التوقع بحدوث تصدع داخل الأغلبية
المشهد السياسي الحالي لا يخلو من التوترات داخل الأغلبية الحكومية، خصوصًا مع وجود ملفات اجتماعية واقتصادية ضاغطة قد تؤدي إلى تباين في المواقف بين مكوناتها. في هذا السياق، قد تكون الحركة الشعبية قد استشعرت إمكانية حدوث تصدع أو انسحاب أحد الأحزاب الحليفة، ما دفعها إلى إرسال إشارات إيجابية للحكومة، مفادها أنها مستعدة للتموقع كبديل استراتيجي إذا اقتضت الضرورة.
ازدواجية الخطاب: معارضة في النواب وموالاة في المستشارين
هذا التحول في الموقف يعكس براغماتية سياسية أكثر من كونه تغييرًا في القناعات. فالمعارضة التي أبدتها الحركة الشعبية في مجلس النواب قد تكون مجرد موقف شكلي لحفظ ماء الوجه أمام القاعدة الانتخابية، بينما التصويت لصالح القانون في مجلس المستشارين يعكس الحسابات السياسية الواقعية، التي تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى داخل البرلمان والرهانات المستقبلية.
النتائج المحتملة لهذا التموضع
- تعزيز العلاقة مع التجمع الوطني للأحرار: من خلال هذا التصويت، تبعث الحركة الشعبية برسالة ودية إلى أخنوش، مما قد يفتح الباب أمام تقارب أكبر بين الحزبين مستقبلًا، سواء من خلال الاستفادة من مناصب حكومية أو تعزيز التنسيق البرلماني.
- إمكانية الدخول إلى الحكومة في حالة تفكك الأغلبية: إذا قررت أي من مكونات التحالف الحكومي الانسحاب، ستكون الحركة الشعبية مرشحة للانضمام إلى الحكومة، بحكم إظهارها الاستعداد للعب هذا الدور مسبقًا.
- ضرب مصداقية الحزب أمام ناخبيه: رغم المكاسب السياسية المحتملة، قد يؤثر هذا التناقض على صورة الحزب أمام قاعدته الانتخابية، خصوصًا إذا تم تأويله كدليل على غياب الانسجام بين المواقف المعلنة والممارسات الفعلية.
يبدو أن تصويت الحركة الشعبية لصالح قانون الإضراب لم يكن مجرد تغيير عابر في الموقف، بل هو جزء من استراتيجية تموضع سياسي تهدف إلى تعزيز مكانة الحزب في المشهد السياسي استعدادًا لأي تغييرات محتملة داخل الأغلبية الحكومية.
هذا التصويت هو بمثابة رسالة واضحة للحكومة بأن الحركة الشعبية يمكن أن تكون شريكًا موثوقًا به إذا احتاجت الأغلبية إلى دعم جديد. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر للحزب هو كيفية التوفيق بين هذه البراغماتية السياسية والحفاظ على مصداقيته أمام الناخبين.



