مع اقتراب عيد الأضحى، تتجدد في المغرب دعوات لإلغاء شعيرة النحر، مستندة إلى تحديات اقتصادية واجتماعية وبيئية متزايدة. في ظل الجفاف المستمر، وارتفاع أسعار المواشي، وتراجع القدرة الشرائية، يطرح البعض تساؤلات حول جدوى استمرار هذه الشعيرة، بينما يرى آخرون أن الحفاظ عليها ضرورة دينية واجتماعية.
أسباب الدعوات لإلغاء النحر
الجفاف وتراجع الثروة الحيوانية
تعاني المملكة من موجات جفاف متتالية أثرت سلبًا على المراعي، مما أدى إلى انخفاض أعداد الماشية وارتفاع أسعار الأعلاف. وأمام هذه الظروف، يرى بعض النشطاء أن إلغاء شعيرة النحر قد يساعد في الحفاظ على ما تبقى من الثروة الحيوانية، خاصة أن تربية الأغنام تشكل ركيزة أساسية للاقتصاد القروي.
الضغوط الاقتصادية على الأسر
مع ارتفاع تكلفة المعيشة، باتت القدرة الشرائية للمواطنين تتراجع بشكل ملحوظ. تكلفة شراء الأضحية، التي قد تصل إلى 5000 درهما أو أكثر، أصبحت عبئًا ماليًا لا تتحمله الكثير من الأسر، مما يدفع البعض إلى الاستدانة أو اللجوء إلى جمعيات خيرية لتأمين ثمن الأضحية.
استغلال التجار للأزمة
يتهم العديد من المواطنين التجار والجمعيات الموردة للأغنام بالاستفادة من الدعم الحكومي دون أن ينعكس ذلك على الأسعار.
فبالرغم من استيراد كميات كبيرة من الماشية، لا تزال الأسعار في ارتفاع، مما يزيد من استياء المواطنين الذين يشعرون بأن الأزمة يتم استغلالها لمضاعفة الأرباح.
إحصائيات صادمة حول أعداد الماشية
وفقًا لتقرير نشر في يونيو 2024، كان المغرب يمتلك حوالي 22.3 مليون رأس من الماشية، مما يجعله في المرتبة الثالثة عربيًا من حيث عدد رؤوس الماشية. ومع ذلك، فإن هذا العدد لا يعكس الواقع الحقيقي، إذ أظهرت تقارير أخرى أن القطيع الوطني شهد تراجعًا حادًا.
ففي عام 2021، أعلنت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أن القطيع الوطني يتكون من:
21.6 مليون رأس من الأغنام
6 ملايين رأس من المعز
3.3 مليون رأس من الأبقار
لكن الإحصاء الأخير كشف عن تراجع واضح، حيث تشير المعطيات إلى أن العدد الفعلي للأغنام الصالحة للذبح لا يتجاوز مليون رأس فقط، في حين أن الطلب المتوقع خلال عيد الأضحى يتراوح بين 5.5 و6 ملايين رأس، مما يخلق أزمة واضحة في السوق.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
يؤدي هذا النقص في أعداد الأغنام إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، مما يشكل ضغطًا على الأسر المغربية، خاصة في المناطق الحضرية. إضافة إلى ذلك، فإن القطاع الفلاحي، الذي يعتمد بشكل أساسي على تربية الماشية، يواجه تحديات تهدد استمراريته، مما قد يؤدي إلى موجة إفلاس بين المربين الصغار.
كما أن استيراد الأغنام من الخارج قد لا يكون حلًا عقلانيا مستدامًا، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف النقل والشحن، فضلًا عن المخاوف الصحية المرتبطة باستيراد المواشي من دول أخرى.
ردود الفعل الرسمية والشعبية
تنقسم الآراء حول هذه الدعوات، حيث يرى البعض أنها تهدف إلى التخفيف من الأعباء الاقتصادية، بينما يؤكد آخرون أن إلغاء شعيرة النحر قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني، خاصة في المناطق الريفية التي تعتمد بشكل كبير على تربية المواشي.
أما من الناحية الدينية، فيؤكد علماء الدين أن الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها، وأنه لا حرج على من لم يستطع القيام بها بسبب الظروف المادية، مما يفتح المجال أمام حلول وسطى، مثل تشجيع التبرع للفقراء بدلًا من الذبح، أو تقليل الطلب على الأضاحي في الظروف الاستثنائية.
جدير بالذكر أن المغرب سبق له أن ألغى شعيرة النحر في ثلاث مناسبات تاريخية:
عام 1963: بسبب “حرب الرمال” مع الجزائر.
عام 1981: نتيجة أزمة اقتصادية حادة.
عام 1996: بسبب الجفاف الذي أثر على البلاد.
في كل من هذه المناسبات، دعا الملك الراحل الحسن الثاني المواطنين إلى الامتناع عن ذبح الأضاحي نظرًا للظروف الصعبة التي كانت تمر بها البلاد، مما يجعل إمكانية تكرار هذا السيناريو واردة في ظل الأوضاع الحالية.
يبقى موضوع إلغاء عيد الأضحى في المغرب قضية حساسة تتطلب توازنًا بين الاعتبارات الدينية والاجتماعية والاقتصادية.
في ظل التحديات الحالية، قد يكون من الضروري تعزيز الوعي بأهمية التضامن والتكافل، وتشجيع من يستطيع على مساعدة من لا يستطيع، مع التأكيد على أن الأضحية ليست واجبًا دينيًا ملزمًا لمن لا يملك القدرة المادية.
وفي الوقت نفسه، تظل المسؤولية الكبرى على عاتق الحكومة، التي يجب أن تسارع إلى وضع حلول مستدامة لدعم المربين، وتقنين سوق الأغنام، والحد من المضاربات، لضمان استمرار هذه الشعيرة الدينية دون أن تصبح عبئًا على المواطنين.



