إدريس لشكر والتطبيع مع إسرائيل: بين الدفاع السياسي واستغلال القضية الفلسطينية

آخر تحديث :
Le Premier Secrétaire de l’USFP, Driss Lachgar accorde une interview à la MAP
Le Premier Secrétaire de l’USFP, Driss Lachgar accorde une interview à la MAP
خالد أخازي

في 15 فبراير 2025، خرج إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب “الاتحاد الاشتراكي”، في تصريحات مثيرة للجدل خلال لقاء حزبي بالدار البيضاء، حيث دافع عن اتفاقات التطبيع بين المغرب وإسرائيل، معتبرًا أن المطالبات بإلغاء هذه الاتفاقات تفتقر إلى “رؤية استراتيجية”، وأنها لا تعدو كونها محاولات “للابتزاز السياسي”.

في هذا السياق اعتبر لشكر  أن المطالب بوقف التطبيع تمثل “مغامرة غير مدروسة” وقال إن “الواقع اليوم يتطلب التفكير في كيفية مواجهة التحديات السياسية والدبلوماسية”، مشيرًا إلى أهمية علاقات المغرب الدولية في ضوء قمة الجامعة العربية المرتقبة.

 

إذا استعدنا هذه التصريحات، يمكننا ملاحظة تبرير لشكر للموقف الذي يتبناه الحزب في دعم استمرار التطبيع مع إسرائيل، خاصة أنه يرى في ذلك خطوة ضرورية للحفاظ على الاستقرار الإقليمي والمصالح الوطنية.

لكن هذا الطرح يبدو غير مكتمل في سياقه العملي. فمواقف التطبيع لا يمكن اختزالها فقط في حسابات جيوسياسية، بل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حقوق الشعوب والتزام الدول بالمبادئ الإنسانية. كيف يمكن لموقف يتجاهل محنة شعب محاصر في غزة أن يعتبر “استراتيجيًا”؟ إن تجاهل المأساة الإنسانية في غزة يشير إلى أولى الفجوات التي تظهر في تصريحات لشكر.

وفي هذا الصدد،  أضاف لشكر أن “من يرفضون التطبيع يجرون المنطقة نحو المجهول”، مستندًا إلى ضعف المواقف العربية في مواجهة التحديات، خاصة مع تصاعد النفوذ الأمريكي والعالمي.

ولكن، ما يغفله شكر في هذه النقطة هو أن المواقف الرافضة للتطبيع، التي تتبناها بعض الحركات الشعبية والجماعات الحقوقية، ليست مجرد ردود فعل عاطفية، بل هي جزء من موقف إنساني يرفض استمرارية الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

أليس من المفارقات أن يُعتبر مَن يطالبون بإنهاء التطبيع “مغامرين” في وقت تتزايد فيه الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، خاصة في غزة، حيث تمثل السياسات الإسرائيلية تهجيرًا قسريًا وقتلًا جماعيًا للمواطنين؟ إن هذا الموقف يدعو للتساؤل عن معنى “الاستقرار” الذي يتحدث عنه لشكر إذا كان هذا الاستقرار يتم على حساب دماء الأبرياء في غزة.

وجدير بالذكر أن لشكر عبّر عن “أسفه العميق” لما آلت إليه الأوضاع في فلسطين، مُؤكدًا أن حزبه كان “الأكثر مسؤولية ووضوحًا” في مواقفه، لكنه في الوقت نفسه، لا يُقدم موقفًا حازمًا في ما يخص وقف التطبيع.

هذا التناقض بين التنديد والرفض الفعلي للخطوات العملية يشير إلى خلل كبير في الموقف السياسي لحزب “الاتحاد الاشتراكي”.

كما أشار لشكر إلى أن بعض الأنظمة التي كانت تدعي “مؤامرة الصمود والتصدي” لم تقدم سوى المزيد من المآسي، في إشارة إلى سوريا والجزائر وإيران، في إشارة إلى الاستغلال السياسي لمأساة الشعب الفلسطيني والاتجار بالمواقف دوليا، وهذا زكاه السياق الدولي الأخير.

لشكر أشار إلى تعقيدات الوضع الدولي، مثل الحرب في أوكرانيا وصعود اليمين في أوروبا، مؤكدًا أن هذه العوامل تجعل الحديث عن موازين قوى لصالح فلسطين أمرًا بعيد المنال.

هذا التبرير يشير إلى تقاطع المصالح الكبرى على حساب قضايا الشعوب المظلومة. إذ بينما يواجه العالم تحديات جيوسياسية، يبقى السؤال: هل يجب أن تُترك فلسطين قضية دون حلول حقيقية لمجرد أن “الظروف الدولية” لا تسمح بمواقف أكثر تشددًا ضد الاحتلال؟

 

 

وفي الوقت الذي يدافع فيه لشكر عن التطبيع ويبرر موقفه بـ”الرؤية الاستراتيجية”، لا يخفى على أحد أن هذا الموقف يتعارض مع المبادئ الإنسانية الأساسية التي تلتزم بها العديد من القوى الدولية. غزة، التي تتعرض لأبشع أنواع الحروب والتدمير، تستدعي مواقف أكثر وضوحًا وصراحة في دعم حقوق شعبها، وليس مجرد تصريحات سياسية تُستخدم لتبرير المواقف السياسية الدولية.

إن التضامن مع غزة يتجاوز الحساسيات السياسية. فهو ضرورة إنسانية تفرضها معاناة شعب يعاني منذ عقود، وحتى الموقف الرسمي المغربي كان واضحا وقويا في إدانة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، وتجاهل هذا الواقع من لدن لشكر يطرح تساؤلات حول تناغم الرؤية الضيقة لإدريس لشكر والرؤية المتوازنة والإنسانية في نفس الوقت للخطاب الرسمي المغرب.

في ظل كل هذه المتغيرات، تظهر ضرورة إعادة النظر في مواقف السياسيين المغاربة تجاه التطبيع مع إسرائيل، وفق رؤية عادلة متوازنة، لا تقدم شيكا على بياض،خاصة مع تصاعد معاناة غزة.

إن الموقف الذي يتبناه لشكر وأحزاب أخرى يعكس تغليب السياسة على المبادئ الإنسانية. ومع كل يوم يمر في ظل الأزمة الفلسطينية، تتأكد أهمية تبني مواقف حقيقية تدعم حقوق الفلسطينيين وتدعو لوقف معاناتهم، بعيدًا عن التبريرات السياسية التي تظل قاصرة عن معالجة جوهر المشكلة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الأخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق