جولة مرتقبة أخرى من الحوار حول” التقاعد ” وسط مخاوف من فرض الحكومة للأمر الواقع

Last Update :
جولة مرتقبة أخرى من الحوار حول” التقاعد ” وسط مخاوف من فرض الحكومة للأمر الواقع
خالد أخازي

تدخل حكومة عزيز أخنوش منعطفًا اجتماعيًا حاسمًا مع اقتراب جولة جديدة من الحوار الاجتماعي، حيث تستعد لطرح خطة إصلاح التقاعد، في خطوة تثير الكثير من الجدل والسجال بين السلطة التنفيذية والهيئات النقابية.

بقدر ما تسوّق الحكومة لهذه الخطوة باعتبارها ضرورة لتفادي انهيار الصناديق التقاعدية، فإن النقابات ترى فيها تكريسًا لإجهاز ممنهج على حقوق الأجراء، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام احتقان اجتماعي غير محسوب العواقب.

ترتكز الخطة الحكومية، وفق المعطيات المتداولة، على رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، وزيادة نسبة الاقتطاعات، وتقليص المعاشات...

وهي الإجراءات التي توصف نقابيًا بـ"المثلث المشؤوم"، لما تحمله من إرهاق للأجراء في مسارهم المهني، واستنزاف لقدرتهم الشرائية، وانعكاس سلبي على معيشتهم بعد الإحالة على التقاعد.

لا يبدو أن هذا الطرح يأتي بمعزل عن سياق ممتد من الاختلالات البنيوية التي تعاني منها أنظمة التقاعد في المغرب، حيث تعود جذور الأزمة إلى عقود من التدبير القائم على ترحيل الأزمات بدل معالجتها بجرأة ومسؤولية.

فمنذ الإصلاح المقيّد لسنة 2016، الذي رفع سن التقاعد إلى 63 عامًا وزاد من نسبة الاقتطاعات، تعيش صناديق التقاعد حالة من العجز المالي المزمن، دون أن تقدم الحكومات المتعاقبة حلولًا جذرية تتجاوز الرهان على جيوب الأجراء لامتصاص الأزمة.

في هذا السياق، لا تبدو النقابات مستعدة لتمرير "إصلاح" جديد يعيد إنتاج نفس المقاربة التقشفية، خاصة أن تداعيات ارتفاع كلفة المعيشة وضغط الضرائب تجعل من أي اقتطاع إضافي مساسًا مباشراً باستقرار الأسر.

الاتحاد المغربي للشغل، باعتباره أكبر مركزية نقابية، لم يتردد في تصعيد نبرته، حيث وصف أمينه العام الإجراءات المقترحة بأنها "مثلث ملعون"، محذرًا من أن رفع نسبة الاقتطاعات بـ20% وتخفيض المعاشات بـ30% يعد ضربًا لمبدأ العدالة الاجتماعية.

لكن في المقابل، يبرز تيار آخر يرى أن الأزمة تتطلب إعادة هيكلة عميقة لأنظمة التقاعد، بدل الاكتفاء بتعديلات جزئية تمس المستفيدين فقط.

هذا الطرح يدعو إلى تحمل الدولة لمسؤوليتها في تمويل الصناديق عبر ضخ موارد إضافية، وفرض عدالة ضريبية تلزم الفئات الأكثر استفادة بالمساهمة في إنقاذ التوازنات المالية، وإدماج القطاع غير المهيكل في منظومة الحماية الاجتماعية.

في ظل هذا التوتر المتصاعد، يبقى السؤال معلقًا: هل ستنجح الحكومة في فرض مقترحها رغم الرفض النقابي المتزايد، أم أن الشارع العمالي سيرسم حدودًا جديدة لهذا "الإصلاح"؟ مع اقتراب فاتح ماي، تبدو الساحة الاجتماعية مرشحة لمزيد من التصعيد، في معركة تتجاوز التقاعد لتضع السياسات الحكومية برمتها تحت مجهر المساءلة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الأخبار العاجلة

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept