في قلب العاصمة الاقتصادية، حيث تتكثف الوعود التنموية أوراش التأهيل، يتعثر كورنيش عين السبع عند مفترق صادم: مشروع لم يكتمل، ومؤسسة رسمية ترفض استلامه.
فبين آمال الساكنة المعلقة وخطابات التنمية الحضرية، تبرز الحقيقة القاسية: جماعة الدار البيضاء رفضت رسمياً تسلم المشروع بسبب “عدم استيفائه للمعايير التقنية والجمالية المعتمدة”، وفق ما أكدته مصادر رسمية من داخل مجلس المدينة، معتبرة أن ما تم إنجازه لا يعكس روح المشروع الأصلي ولا يلبي الحد الأدنى من تطلعات الساكنة.
مشهد ناقص التفاصيل.. ووُعود اختزلها الإسمنت الرديء
كورنيش عين السبع لم يكن مشروعاً عادياً. فقد صُمم ليكون متنفساً حضرياً شاملاً، يجمع بين الرياضة والاستجمام، ويحاكي كورنيشات المدن الكبرى. لكن المعطيات الميدانية، التي عاينتها “تمغربيت24”، تُظهر واقعاً محبطاً: تجهيزات غائبة، مسارات غير مكتملة، بنية تحتية غير متجانسة، واستخدام لمواد بناء توصف بـ"الضعيفة".
ما دفع الجماعة إلى اتخاذ موقف استثنائي: رفض التسلم إلى حين معالجة “الاختلالات الكبرى”، في خطوة اعتُبرت دفاعاً عن المصلحة العامة ومساءلة للجودة قبل التسليم.
تدبير مرتبك وانقسام صامت
يتقاطع هذا التعثر مع ما تصفه مصادر من داخل مقاطعة عين السبع بـ"غياب التنسيق بين المتدخلين" و"ارتباك واضح في قيادة المشروع". فالصراعات غير المعلنة بين بعض الأطراف السياسية والبيروقراطية ساهمت في تعثر التنفيذ، وتحولت الأوراش إلى جزر معزولة، تفتقر للتصور الشامل والمتابعة الدقيقة. والأسوأ، أن الفجوة بين هذا المشروع ومشاريع أخرى في مناطق راقية بالمدينة كشفت عن غياب مبدأ العدالة المجالية في التوزيع والإنجاز.
احتجاجات صامتة.. وغضب قابل للانفجار
رغم غياب مظاهر الاحتجاج الجماعي، إلا أن أصوات الغضب تتعالى في أحياء عين السبع. السكان يرون في ما حدث دليلاً على استهتار بمطالبهم، ويطالبون بفتح تحقيق جدي في مسار الأشغال والصفقات المرتبطة بالمشروع.
"لسنا مواطنين من الدرجة الثانية"، يقول أحد الفاعلين الجمعويين، مضيفاً أن "الحق في فضاء عام لائق ليس امتيازاً، بل ضرورة حضرية".
موقف الجماعة.. مسؤولية لا مجاملة
رفض جماعة الدار البيضاء تسلّم المشروع يحمل دلالة مهمة: لأول مرة يتم تفعيل منطق المحاسبة قبل التسلم، وهو توجه يُفترض أن يُعمم على باقي المشاريع. غير أن هذا الرفض، رغم وجاهته، لا يعفي الجماعة من التساؤلات: لماذا لم تُفعل الرقابة خلال الإنجاز؟
ولماذا لم يُسجل موقف رسمي في المراحل الأولى قبل وصول الأمور إلى حافة الفشل؟
كورنيش عين السبع اليوم ليس مجرد ممر ساحلي. إنه اختبار لمدى التزام المدينة بجودة المشاريع واحترام كرامة أحيائها المتوسطة والمهمشة. نجاحه في المرحلة المقبلة لن يقاس بتسريع الأشغال فقط، بل بقدرة المسؤولين على إعادة الثقة للمواطن، وتوفير فضاء يليق بمكانة البيضاء كعاصمة اقتصادية لا ينبغي أن تبني واجهتها على حساب هوامشها.