في صمتٍ قاتل، يعيش الآلاف من المحتجزين الصحراويين المغاربة أغلبهم مختطف أو مغرر بهم في مخيمات الاستعباد السياسي بتندوف معاناة مركّبة، يتقاطع فيها البعد الإنساني بالمأساة السياسية.
مأساة لا يصنعها العوز وحده، بل يزيدها فتكًا من يستخدمونها ورقة ضغط وابتزاز ضد إرادة الشعوب، وضد كل حل واقعي عادل يعيد الكرامة ويضمن الأمن والاستقرار.
ما شهدته مخيمات تندوف مؤخرًا من مواجهات دامية بين فصائل من البوليساريو وعناصر من الجيش الجزائري، ليس حادثًا عابرًا، بل انعكاس حاد لواقع انفجاري طالما نُبّه إلى خطورته: واقع تسوده شبكات الفساد، والتواطؤ، والتوظيف السياسوي البئيس لمعاناة بشرٍ حُرموا من حقهم في تقرير مصيرهم الإنساني، لا بالانفصال، بل بالعودة إلى وطن يكفل لهم حقوقهم تحت مظلة سيادة عادلة.
المساعدات الدولية... تجارة بؤس في زمن النفاق
لعقود، ظلّ ملف المساعدات الدولية الموجهة إلى تندوف يطرح أسئلة محرجة دون أجوبة حقيقية.
فقد وثّقت تقارير أوروبية رسمية، أبرزها تقرير المكتب الأوروبي لمحاربة الغش (OLAF)، عمليات اختلاس ممنهجة تقوم بها قيادات من البوليساريو بتواطؤ من جهات جزائرية، مما حوّل جزءًا كبيرًا من الدعم الإنساني إلى ريع سياسي واقتصادي.
والآن، تنفجر التناقضات من الداخل. منابر إعلامية مستقلة وشهادات من داخل المخيمات تؤكد أن الاشتباكات الأخيرة جاءت بسبب خلافات حادة حول تقاسم تلك المساعدات.
وهو ما يؤكد أن المخيمات أصبحت فضاءً مغلقًا للاستغلال، وليس ملاذًا إنسانيًا للاجئين في أدبيات نظام عسكري وليس المفوضية الدولية للاجئين التي منعت من الإحصاء خوفا من اكتشاف نسيج بشري هجين، الصقت به هوية صحراوية.
الجزائر... من الدعم إلى الإحكام العسكري
ظلت الجزائر، التي لطالما ادعت الحياد في الملف، طرفا مباشرا في الأزمة، لا فقط سياسيًا، بل عسكريًا وأمنيًا. وما جرى ليلًا في تندوف من تدخل دموي ضد جناح متمرّد من البوليساريو، يُعري حقيقة الرعاية الجزائرية لهذا الكيان المسلح.
لقد باتت المخيمات فضاءً محكومًا بالبؤس والخوف والقبضة الحديدية، مما يجعل الوضع أكثر احتقانًا، وينذر بتداعيات خطيرة تهدد أمن المنطقة.
الحل المغربي... رؤية واقعية تُعيد الاعتبار للإنسان
في مقابل هذا الانسداد، يُطرح الحل المغربي القائم على الحكم الذاتي كفرصة تاريخية لإخراج المحتجزين من دوامة الابتزاز والانقسام.
فمنذ 2007، قدم المغرب مبادرة نالت دعمًا واسعًا من المنتظم الدولي، ووصفتها قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا بأنها "جدية وذات مصداقية وواقعية".
هذا الحل يُعيد دمج أبناء الصحراء المغربية المحتجزين قهرل وغصبل في نسيجهم الوطني، تحت سيادة مغربية تضمن الحقوق والكرامة والتمثيل المحلي، مع فتح المجال أمام تنمية حقيقية تشمل كل أبناء المنطقة، بما فيهم أولئك الذين فُرضت عليهم الإقامة القسرية في تندوف.
من أجل كرامة الإنسان ووحدة الشعوب
لم تعد القضية نزاعًا على الحدود أو صراعًا أيديولوجيًا. إنها اليوم قضية إنسان حُرم من حقه في الأمل. قضية آلاف الأطفال الذين يولدون بلا وطن ولا مستقبل، وأمهات ينتظرن العدالة، وشيوخ لم يتذوقوا طعم الانتماء منذ نصف قرن.
الحل يبدأ من رفع كبرانات النظام الخرف الجزائري اليد عن المخيمات، وفتح المجال أمام لجنة دولية محايدة تقف على الانتهاكات، وتضمن توزيعًا نزيهًا للمساعدات، وتنقل صوت المحتجزين الحقيقي إلى العالم، وفتح الحق في العودة الطوعية لكل المحتجزين.
وفي صلب هذه المأساة، تبرز المبادرة المغربية كخيار وحدوي وإنساني، يضع الكرامة أولًا، ويعيد الربط بين العدالة والسيادة، وبين المصالحة والتاريخ.
لقد آن الأوان لقول الحقيقة: لا مستقبل لمحتجزي تندوف تحت قبضة الجنرالات، ولا كرامة لشعب تُستغل مأساته المفتعلة. المستقبل للوحدة، للحكم الذاتي، ولحل واقعي عادل، يُعيد الإنسان إلى مركز المعادلة.