واهمٌ من يظنّ أن عشق جمهور آسفي لكرة القدم نابع من رغبة عابرة في قتل الوقت، أو من نزوة شباب يبحث عن صخب مؤقت يُبدد به صمت الأيام. إنّه حبٌّ قديم، عميق، يسكن في الجذور كما تسكن الموجة في ذاكرة البحر، لا يُفسَّر بل يُحسّ، لا يُرسم بل يُعاش.
هذا الجمهور لا يشجّع فقط، بل يُحبّ. يحبّ بحواسّه كلها، بصراخه، بصمته، بدموعه حين يُخذل، وبضحكته حين يحصد النصر. يحبّ بعناد طفل لا يملّ انتظار العيد، وبحكمة شيخ يُدرّب قلبه على الصبر منذ عقود.
اليوم، ونحن نحضر نهائي كأس العرش، تسرّبت إلى قلبي رعشة مألوفة… شعور ذلك التلميذ الذي كنته يومًا، أقف خلف نافذة فصل بثانوية ابن خلدون، أرقب الفريق من بعيد، وأحلم أن أكون بين هذا الجمع المبارك من القروش، الذين يحفظون تفاصيل الحكاية أكثر من حفظهم لتواريخهم الشخصية.
ذكرياتنا مع الفريق ليست عابرة، بل محفورة في اللحم والعظم. كيف أنسى يوم ناول الحكم الكرة لعبد الواحد الدجايجي وقال له: "إليك هذه، فقط سجّل"، لكنها لم تسكن الشباك… بل سكنت القلب كندبة. ومنذ ذلك اليوم، ظلت الخيبة صديقة دائمة، لكن جمهور آسفي لم يتخلّ، لم يُدر ظهره، لم يساوم على الحب.
هذا الجمهور وُلد وفي قلبه غصة حلم، لكنه ظلّ يزرع الفرح في كل مدرج، يرصّ الصفوف خلف الفريق، يهتف لا ليُسمع، بل ليُشفى من خيبات الزمن الطويل.
اليوم، ونحن نرفع الكأس أخيرًا، لا نحتفل فقط بلقب، بل نحتفل بجبر خواطرٍ أُهملت طويلاً، بدموعٍ انتظرت هذا المساء كي تبرق من فرح، بشرف الانتماء لفريق لم يرضخ، ولم يساوم، ولم يُهزم يومًا في ميدانه الحقيقي: قلوب العاشقين.
مدرب من صلب الفريق، ابن لاعبٍ حفر اسمه في ذاكرة التراب، وها هو الإبن يُهدي للجمهور ما انتظر أكثر من نصف قرن. شكرًا “كرمة”… فقد كتبت بقدميك قصيدة انتصار، وعزفت بقراراتك سمفونية اسمها: الوفاء لا يموت.
هذه ليست دعوة للاحتفال فحسب، بل رسالة لكل من يسهر على هذا الوجود الكروي البهي:
احترموا هذا الجمهور، فهو لا يطالبكم بالمستحيل، بل فقط بلحظة صدق، بلحظة جمال، بلحظة إنسانية تليق بمن ظل يُغني للحلم رغم القهر.
اتركوا الجحود جانبًا، واسقوا قلوب العاشقين بما تيسّر من إنصاف.
فآسفي لا تريد أكثر من أن تكون جميلة كما رآها جمهورها دومًا… تستحق الفرح، وتستحق أن يُكتب في تاريخها:
"هنا وقف جمهورٌ، لم ينكسر، فاز بحبّه أولًا… ثم بالكأس أخيرًا."