تمويل مشبوه وخرق لمبدأ تضارب المصالح: هل تتحول غرفة الصناعة التقليدية بجهة فاس مكناس إلى ضيعة حزبية؟

Last Update :
تمويل مشبوه وخرق لمبدأ تضارب المصالح: هل تتحول غرفة الصناعة التقليدية بجهة فاس مكناس إلى ضيعة حزبية؟
خالد أخازي

في سابقة خطيرة تمس جوهر الحكامة الترابية وتنتهك مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص، صادق المجلس الجهوي للصناعة التقليدية بجهة فاس مكناس يوم 26 يونيو 2025، على تخصيص دعم مالي قدره 18 مليون درهم (1.8 مليار سنتيم) لفائدة جمعية يرأسها – في مفارقة صارخة – رئيس الغرفة نفسه، المنتخب حديثًا خلفًا لرئيس تم عزله.

وأكد متتبعون أن ما كان يفترض أن يكون تجسيدًا لرؤية تنموية عادلة داعمة للحرفيين، تحوّل، حسب المعطيات المتوفرة، إلى آلية توزيع ريعي موجه لجهة حزبية بعينها، في خرق صارخ للقانون وروح المرفق العام.

أين القانون؟ تضارب المصالح في أوضح صوره

وفي هذا الصدد اعتبر مهتم بالشأن المحلي أن تمويل جمعية يرأسها مسؤول منتخب على رأس مؤسسة مانحة خرقًا صريحًا للمقتضيات الدستورية والمبادئ الأساسية للحكامة الجيدة.

مضيفا أن الفصل 36 من الدستور المغربي يجرم تضارب المصالح، ويشدد على منع كل أشكال استغلال النفوذ أو الجمع بين المسؤوليات التي تفضي إلى منافع شخصية أو عائلية.

وأفادت مصادر عليمة أن جزءًا من هذا الدعم – 6 ملايين درهم – كان مخصصًا لبناء مقر الغرفة نفسها، التي لا تزال تكتري مقرًا إلى اليوم، وهو ما يؤكد أن المال العمومي تم تحويله بشكل انتقائي يخدم جهة بعينها، لا المنظومة الحرفية ككل.

الجمعية "العائلية" ومفهوم الريع المؤسساتي

تكشف تركيبة الجمعية المستفيدة – بحسب ما أوردته مصادر ميدانية – عن طبيعة "عائلية" وتبعية سياسية، ما يفتح باب الشك حول وجود شبكة محسوبية داخل دواليب القرار المحلي.

وحسب متتبعين للشأن المحلي،  يعتبر هذا القرار خرقا قانونيا وأخلاقيا لأنه لم يحترم توجيهات وزارية صادرة عن لفتيت في أكثر  من مرة عبر مسلسلات واضحة وصريحة تلزم غرف الصناعة التقليدية باعتماد معايير شفافة في منح الدعم للجمعيات، وفي مقدمتها ضرورة الابتعاد عن تضارب المصالح، وهو ما لم يحصل.

الضغط والتصويت بالإكراه: فضيحة ديمقراطية

معطيات أخرى تؤكد أن عملية التصويت شابها ضغط مفضوح على أعضاء الجمعية العامة، بينما اختار بعضهم الغياب تعبيرًا عن رفض ما سموه "مهزلة مؤسساتية".

وقد احتدمت النقاشات داخل الدورة، حيث شهدت القاعة ملاسنات عنيفة واتهامات بالتلاعب والاغتناء غير المشروع، وهو مشهد يذكرنا بسيناريوهات الريع السياسي التي تحوّل المجالس إلى أدوات خدمة حزبية ضيقة بدل أن تكون مؤسسات تنموية حقيقية.

ترقب ردة فعل الوزارة الوصية

يبقى انتظار ردة فعل الوزارة المعنية على عادتها في محاربة  الفساد هو طوق النجاة من العبث بالمال العام، ومن المتوقع أن تتحرك مصالح الرقابة الداخلية أو المفتشيات الجهوية والمالية لوقف هذا النزيف الواضح للمال العام.

إن الوزارة الوصية عملت دوما على تفعيل مقتضيات المراقبة الإدارية والمالية، ووقف تمرير اتفاقية تهدر المال العام في مشاريع غير ذات أولوية، وغير واضحة الجدوى التنموية، بل ذات خلفيات انتخابوية صرفة...

لهذا ارتفعت أصوات المطالبة بالتحقيق الفوري والمساءلة، حيث إن ما حدث لا يتعلق بخلاف حول ترتيب الأولويات، بل بتواطؤ محتمل على المال العام، وعلى قيم الشفافية والعدالة في التوزيع.

 الدولة المغربية جعلت من ربط المسؤولية بالمحاسبة أحد أركان مشروعها التنموي الجديد، هذه الحالة تستوجب بلا شك فتح تحقيق قضائي وإداري عاجل، مع وقف تنفيذ الاتفاقية إلى حين التثبت من قانونيتها ونزاهة المساطر التي أفرزتها.

 لا تنمية بدون عدالة وشفافية

في تصريح لجهة معارصة جاء:"إن ما جرى بغرفة الصناعة التقليدية بجهة فاس مكناس ليس سوى نموذج مصغر لثقافة سياسية مريضة، ترى في المؤسسات العمومية "غنيمة حزبية"، لا رافعة للعدالة الاجتماعية."

مضيفا في هذا الصدد "وإذا لم تتم محاسبة المسؤولين، ووقف هذا العبث الممنهج، فإن الثقة في المؤسسات ستتآكل، وستتحول المجالس الجهوية إلى أدوات لإعادة إنتاج الفساد بدل محاربته."

وفي السياق ذاته عبر فاعل مدني عن امتعاصه قائلا بحسرة:"المال العام ليس ملكًا لمجالس عابرة، بل أمانة تفرض على الجميع الصرامة والمحاسبة، ومن لا يقدر حجم المسؤولية، لا يستحق ثقة المواطن أو الدولة... ونحن نثق في وزير الداخلية والوالي والعامل لتصحيح الوضع والمحاسبة."

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الأخبار العاجلة

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept