أزمة تدبير المشروع الملكي “مراكش حاضرة متجددة” بين القانون والعبث الإداري

Last Update :
 أزمة تدبير المشروع الملكي “مراكش حاضرة متجددة” بين القانون والعبث الإداري
عبد اللطيف سحنون: مراكش

في خطوة تضع الإصبع على مكمن الخلل المؤسساتي، وجه الفاعل الحقوقي محمد تلغوات رسالة مفتوحة إلى والي جهة مراكش – آسفي، وعامل عمالة مراكش، التمس فيها التدخل العاجل لإيقاف ما وصفه بـ"العبث" في تدبير الشأن المحلي من طرف مجلس جماعة مراكش، وذلك على خلفية ما اعتبره تطاولاً على مشروع ملكي مهيكل، وتغييرًا غير مشروع لمعالمه وأهدافه.

استند صاحب الرسالة، المعروف بمتابعته الدقيقة لقضايا التنمية الحضرية وحرصه على احترام الضوابط القانونية، إلى مقتضيات الفصل 145 من الدستور المغربي لسنة 2011، الذي يعطي للعامل صلاحية المراقبة الإدارية على شرعية قرارات رئيس المجلس ومقرراته (الجريدة الرسمية للمملكة المغربية، عدد 5964، 2011)، والمادة 115 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات الترابية (الصادرة بالجريدة الرسمية عدد 6469، 2015)، والتي تخول للوالي صلاحية مراقبة شرعية قرارات المجلس الجماعي، مناشدًا عدم التأشير على اتفاقية اعتبرها "ملغومة"، صودق عليها خلال الدورة الاستثنائية لمجلس الجماعة المنعقدة بتاريخ 23 يونيو 2025.

في الوقت الذي تتطلب فيه التنمية الحضرية الشفافية والمشاركة، يظهر التدخل الأخير لمجلس جماعة مراكش كخرق واضح لهذه المبادئ، عبر محاولة فرض مشروع أكاديمية لكرة القدم على عقار مخصص أصلاً لغابة حضرية في حي المحاميد.

هذا التغير الذي يحمل في طياته مساساً بمشروع ملكي يحمل اسم "مراكش حاضرة متجددة" يؤشر إلى أزمة عميقة في تدبير الشأن المحلي وانفصال المسؤولين عن تطلعات وحقوق الساكنة.

الفاعل الحقوقي محمد تلغوات يسلط الضوء على جانب أساسي في هذا النزاع: الطبيعة العامة للمشروع الملكي المتمثل في الغابة الحضرية التي كانت تهدف إلى توفير فضاء أخضر متعدد الوظائف لسكان الحي، مع مراعاة جودة الحياة، وتعزيز البنية البيئية والاجتماعية.

في المقابل، تبدو محاولة تحويل جزء من هذه الأرض إلى منشأة رياضية خاصة تلبي فقط مصالح نادي معين، خروجا صارخا عن مبدأ المصلحة العامة، واستعمالا غير مسؤول للمرفق العمومي.

من الناحية القانونية، يوضح الفاعل الحقوقي أن العقار يخضع لوضعية "منع البناء" (ZONE DE CRASH)، مما يجعل هذه المبادرة مخالفة صريحة للقانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير والمصادق عليه عام 1992، والذي ينظم الشروط الخاصة بالتخطيط العمراني والبناء (الجريدة الرسمية عدد 4069، 1992)، وهو ما يستدعي من السلطات الوصية التدخل الحاسم لمنع تفشي ممارسات لا تحترم الإطار القانوني، وتهدد استقرار المشاريع التنموية التي تخدم المجتمع ككل.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، حسب الرسالة فغياب الشفافية وغياب إشراك شركاء المشروع الأساسيين مثل وكالة التنمية الحضرية (العمران) ومجلس عمالة مراكش، إضافة إلى التجاهل الواضح لرأي المجتمع المدني، يؤكدان ما وصفه تلغوات  فشل المنظومة الإدارية في ضمان تدبير ديمقراطي ومساءلة فعلية، مما يفتح الباب أمام ممارسات استبدادية في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياة السكان.

في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال الأبرز: كيف يمكن للمجلس الجماعي أن يتصرف بمثل هذه العزلة، متجاوزاً صلاحياته دون احترام الأدوار القانونية والهيئات الشريكة، وفي غياب نقاش مجتمعي حقيقي؟ وهل ستسمح الجهات المختصة بتمرير مشروع يخالف القوانين وينتقص من الحق في الفضاءات العامة؟

إن رسالة الفاعل الحقوقي محمد تلغوات ليست مجرد شكوى إدارية، بل تحذير قوي من تفاقم أزمة التدبير المحلي الذي بات يعاني من محاولات لتقويض المشاريع العمومية لصالح أجندات ضيقة، مما يستدعي يقظة المجتمع المدني وتضافر جهود كافة الفاعلين من أجل حماية الحقوق البيئية والاجتماعية، والحفاظ على المكتسبات التي تحقق الرفاه الجماعي.

وفي هذا الإطار، يصبح دور والي جهة مراكش وعامل عمالة مراكش محوريًا في فرض القانون وضمان حسن سير المؤسسات، وهو اختبار حقيقي لمصداقية التزام المسؤولين بمبادئ الحكامة الرشيدة والشفافية، وحماية المصلحة العامة التي يجب أن تبقى فوق كل اعتبار.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الأخبار العاجلة

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept