الجزائر دستور الحرية الوهمية و نظام سجون الكلام: عندما تُعاقب الأفكار أكثر من الجرائم

Last Update :
الجزائر دستور الحرية الوهمية و نظام سجون الكلام: عندما تُعاقب الأفكار أكثر من الجرائم
خالد أخازي

الجزائر...بلد العجائب والغرائب السياسية....بلد الديمقراطية التي تمشي على رأسها، كل شيء فيها يوزع بالعدل، القمع، القهر، الفقر، السجن، إلا ثروات البلاد فإنها توزع على جيوب الجنرالات والطبقة السياسية الكومبارس.

تتبنى الطغمة العسكرية  الجاثمة منذ الاستقلال على صدور الجزائرين....خطابا مزيفا... منذ اسقطوا الحكومة المدنية فجر الاستقلال، واختطفوا البلد باسم جبهة التحرير، والاشتراكية التي غدت فاشية، بواجهة ديمقراطية....

سقط جدار برلين... وما زال للجزائر جدار يعملها عزلا عن الحرية وضوء التنمية والعدالة والكرامة... والشعب  وحده يؤدي الثمن... 

 ولا تكف جمهورية الفصام السياسي عن دعم ما يسمى حقوق الشعب الصحراوي خطابا للواجهة...تؤجل به ثورة ممكنة ضد جنرالاتها، ولا تتوانى آلتها العسكرية القمعية عن مصادرة الحق حتى في الكلمة للشعب الجزائري الذي صدرت مقدراته وعرفت مسارها نحو الجنات الضربيبة، والعقارات المتعددة غربا وشرعا....

يا له من نظام سكيزوفريني، يهذي هذيان الخرف العقلي والتاريخي وحتى الايديولوجي البائد الأدبيات ...وتتشذق عبثا مفضوحا بحقوق شعب صحراوي يحتجزه جنرالاته ويطوقون آماله، ويستغلونه سياسيا وماديا، وينزلون أشد الأحكام في حق شعبهم من أجل الكلمة.

الدستور الجزائري في كل مناسبة يرفعون عقيرتهم أنه يعلي من حرية التعبير المكفولة، هذه الحرية في الواقع غدت مادة مثيرة للسخرية، فالكلمة في الجزائر انتحار.... جريمة يُعاقب عليها بالسجن.

هذا التناقض الغريب يشبه مشهد مسرحية هزلية تُعرض على خشبة القضاء، حيث يُحاكم الفكر والرأي كما لو كانا جريمة مُدانة تستحق العقاب الأشد.

يطرح المشهد سؤالًا يعتصر العقل: هل المشكلة تكمن في نص الدستور الذي يكفل الحريات، أم في من يُفسرونه على هواه؟

في هذا البلد الذي يغتال الآمال عسكره، لا تُحاكم الأفعال، بل تُحاكم الأفكار، فتوزع الأحكام كأنها جوائز في مهرجان قمعي لا نهاية له. نظام العدالة هنا لا يكتفي بعدم حماية الحقوق، بل يبدو وكأنه يتبنّى شعارًا جديدًا: «إذا لم يعجبنا كلامك، سنسجنك حتى يعجبنا صمتك».

تبدأ المسرحية بأبطالها: المثقف، الصحفي، الكاتب، وكل من يجرؤ على التعبير عن رأيه أو نقد الواقع.

أحد أبرز هذه الشخصيات هو المؤرخ بلغيث، الذي ارتكب «الجريمة الكبرى» حين وصف توظيف الهوية الأمازيغية في التفرقة وتفتيت الدول بأنه «مشروع فرنكوصهيوني».

هنا، لم تُقرأ الكلمات كتحليل أو نقد تاريخي، بل تم تأويلها كـ«نشر خطاب كراهية» و«المساس بالنظام العام»، وهو ما تطلب من المحكمة أن تصدر حكمًا قاسيًا بـ7 سنوات سجن و700 ألف دينار غرامة.

يبدو أن كل كلمة من كلامه تُحسب بسنة سجن، ما يجعل العدالة في الجزائر وكأنها تُعامل الكلمات كأفعال جرمية تستوجب العقاب الشديد. والأكثر طرافة أن المحكمة قررت تخفيف التهمة من جنحة إلى جريمة، كما لو أنها تريد أن تواسيه قائلة: «لا تقلق، لن نعاملك كمجرم خطير، فقط كمجرم صغير».

في هذا السياق، نستحضر الصحفي الفرنسي الذي ارتكب «خطأ» إجرائه مقابلة مع مسؤول في نادي JS Kabylie المرتبط بالحراك الأمازيغي، فقد واجه مصيرًا أشد قسوة.

على الرغم من أن الحوار لم يتناول سوى القضايا الرياضية، إلا أن السلطات اعتبرته «تمجيدًا للإرهاب»، وحكمت عليه بالسجن 7 سنوات.

هكذا، في عالم العجائب الجزائرية، كل سؤال في مقابلة صحفية يعادل سنتين من السجن، وكأن الحرية الإعلامية جريمة مُدانة تقتضي التضييق والاعتقال.

وفي سياق مماثل، تفتح المسرحية السوداء الجزائرية شهيتها القمعية، لتلتهم الروائي بلعالم صنصال وتاج به وراء زنزانة  الخزي الجزائر...

التهمة تحليل تاريخي الحدودي الجزائرية لا يخفى وضعها على أحد في مقابلة إعلامية، ليواجه تهمة «تقويض الوحدة الوطنية» التي تبدو أكثر إثارة للسخرية، كما لو أن الروائيين هم جنرالات الحدود وحماة الوطن.

العقوبة هذه المرة كانت 5 سنوات سجن، مع رسالة واضحة ضمنية: «اكتب رواياتك، ولكن فقط عن جمال الزهور والأشياء الجميلة التي لا تؤثر على النظام».

كل هذه القضايا ليست حالات فردية بمعزل عن الإطار القانوني، بل تعكس واقعًا دامغًا لوضع حرية التعبير في الجزائر.

الدستور الذي أعلن في 2016 يكفل حقوق الإنسان والحريات، لكن الواقع يفصح عن مواد قانونية قمعية، أبرزها المادة 87 من قانون مكافحة الإرهاب، التي تُستخدم كأداة سلاح لسحق أي صوت معارض أو ناقد.

المفارقة المضحكة المبكية أن الدولة تعتبر نفسها«ديمقراطية»، لكنها تتعامل مع المعارضين كما لو كانوا إرهابيين خطرين، فتتحول كلمة الحقيقة إلى تهمة قد تجر صاحبها إلى السجن مدى الحياة.

المجتمع الدولي، بطبيعة الحال، لا يغفل هذه التجاوزات. منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تعلن بشجاعة أن الجزائر تستخدم القضاء لقمع النشطاء وتفرض اعتقالات تعسفية ومحاكمات جائرة لا تراعي أبسط قواعد العدالة والحقوق.

غير أن الرد الرسمي الجزائري لا يتأخر في الرد بجمود: «نحن نطبق القانون»، فيما يبقى السؤال الأكبر: أي قانون يعاقب على الكلام والرأي؟ وكيف تُجسّد العدالة في بلد يُسجن فيه المثقف والكاتب والصحفي لمجرد قول الحقيقة؟

لكن ما يجعل هذه القضية أكثر إيلامًا هو البعد الإنساني الذي تختبئ خلفه الأرقام والأحكام. لنأخذ على سبيل المثال حالة أحمد، صحفي شاب اعتقل بعد نشره مقالًا ينتقد الفساد الإداري في إحدى البلديات.

لم تكن جريمته سوى إلقاء الضوء على فساد واضح، لكن النظام قرر معاقبته كأنه خطر أمني.

أحمد يقبع اليوم في السجن، بعيدًا عن زوجته وأطفاله الثلاثة الذين لم يروا والدهم منذ شهور. زوجته، التي تعمل مدرّسة، تعيش حالة من القلق واليأس، فهي لا تعرف متى سيُفرج عن زوجها، ولا كيف ستواجه معاناة الحياة بمفردها. هذا الألم الذي لا يُحتمل هو الوجه الحقيقي لقمع حرية التعبير في الجزائر، وهو ما لا تظهره تقارير المؤسسات أو تصريحات المسؤولين.

تبدو الجزائر اليوم وكأنها عالَم ما قبل سقوط جدار برلين، حيث تُلبس الديمقراطية قناعًا مزيفًا، والحرية تُستخدم في الدعاية بينما تُقيد في الواقع، والقانون يُستخدم كسوط لقمع كل صوت مختلف.

سؤال الديمقراطية الحقيقي لا يكمن في نصوص الدستور، بل في كيفية تطبيقها، وفي قدرة الدولة على قبول النقد والتعددية

وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، يصبح الخيار واضحًا أمام الجزائر: إما أن تعيد النظر في قوانينها وممارساتها لتكون نموذجًا حقيقيًا للديمقراطية والحرية، أو أن تعلن صراحة أن زمن الكلام قد انتهى، وأن التفكير والاختلاف ممنوعان، لتغلق بذلك كل أبواب الحوار والعدالة والكرامة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الأخبار العاجلة

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept