في قلب مستشفى مولاي عبد الله بالمحمدية، وعلى بعد خطوات قليلة من بريق الأجهزة الطبية والأمل في الجنات الطبية للقطاع الخاص، تقع مأساة صغيرة تكشف عن اختلالات جسيمة في منظومتنا الصحية.
طفلة لا تتجاوز الخامسة من عمرها، مريضة مزمنة تعاني الربو، تصاب بآلام شديدة في بطنها، فتحملها أمها إلى المستشفى باحثةً عن النجدة. ولكن ما ينتظرها هناك هو تجربة تتحدى كل معايير الإنسانية، تقلب الموازين بين الحق في الرعاية والواقع المرير للمعاناة.
الساعة السابعة صباحًا: المستعجلات مغلقة
تصل الأم وطفلتها في السابعة صباحًا، في وقت يُفترض فيه أن قسم المستعجلات مفتوح على مدار الساعة، لكن الواقع قاسٍ... المستعجلات تنام كنحن ليلا.. على ما يبدو...
أبواب القسم مغلقة في وجهها، والقلوب باردة كالجدران، لا أحد يستقبلها ولا أحد يوجهها. هناك، في ذلك الصمت المؤلم، تبدأ رحلة الألم الحقيقية.
كيف يكون هذا؟
كيف يُترك المرضى دون رعاية في قسم يُفترض أنه "طوارئ"؟هل يعقل أن يكون الإنسان في حاجة ملحة للرعاية...
ثم يجد نفسه محاصرًا بجدران مستشفى مستعجلاته لا تصحو إلا عند الساعة التاسعة ونصف صباحا؟ هل أخطأت الطريق وقصدت جماعة ترابية، على الأقل الجماعة تفتح عند الساعة التاسعة، ومستعجلات المحمدية، غارقة في النوم، كيف تنام العيون عن الألم؟ كيف نجد الجفون معبرا للنوم وظلال الألم في كل مكان...؟ لابد أننا مجتمعنا يعاني تبليدا عاطفيا خطيرا...
تتساءل الأم في حيرة وخوف، بينما طفلتها تتلوى ألمًا، وكل دقيقة تمر هي زيادة في وجع لا يحتمل... متى تفتح المستعجلات...؟
غياب التنظيم وانعدام المسؤولية
وعندما تصحو المستعجلات متثائبة في كسل، بعد أكثر من ساعتين من الانتظار، لا وجود لأي ممرض ينظم الأدوار، ولا حتى صوت يشرح أو يوجه، ولا نظام يقيم الخطورة أو يقدم الأولوية للحالات الأكثر حاجة....هي فوضى منظمة، تغذيها اللامبالاة والغياب التام للرقابة والإشراف...الأم تدخل دون انتظار، متمردة على كل القواعد التي لا تحمي سوى نفسها فقط، وتقول لنفسها:"لن أترك طفلة في هذا الألم بلا رعاية...لكن، أين هو النظام؟ وأين هي المسؤولية التي يعلن عنها المسؤولون في بياناتهم الصحفية؟
تشخيص مأساوي وطبيب لم يصحو عقله بعد
ما زاد الطين بلة هو التشخيص الذي قام به طبيب، الطابع يحمل توقيع مختص، وكثيرا ما وقع ليس من شخص، ولو كان طبيب طوارئ على طابع ما، الذي قال بسرعة وببساطة:" الزائدة الدودية".
تشخيص خطير طبعا، يستدعي تدخلًا جراحيًا عاجلًا في كثير من الحالات، خاصة مع وجود أعراض حادة... لكن البداهة الطبية لم تصح بعد...ويحرر فحوصات دم، وأشعة لا تُجرى في المستشفى، ولا يجري حتى تقييما شاملا للحالة.... المستعجلات تنصت فقط للمريض....والباقي على العالم الخارجي أن يقوم به.بدلًا من ذلك، وصف الطبيب دواء "باراسيتامول" بجرعة 500 ملغ، جرعة كبيرة لطفلة في الخامسة من عمرها، دون شرح كافٍ أو متابعة... وأدوية أخرى... ولا قرص خرجت منه من المستشفى... ولا حقنة عاجلة ضد المغص تريح الطفلة وعذاب الأم.
هنا يطرح السؤال: هل هذه الجرعة مناسبة لطفلة في هذا العمر؟ وهل الدواء الوحيد الذي يُصرف يليق بحجم المعاناة؟
التحاليل في مصحات خاصة: عبء على الفقراء
الأم، بعد أن تلقت هذا التشخيص الغريب والدواء البسيط، طُلب منها إجراء تحاليل وصور أشعة، ولكن ليس في المستشفى، بل خارج المستشفى، عليها أن تدفع أثمانها بالكامل.
في بلدٍ يعاني فيه الكثير من الفقراء، هل هذا منطق صحي؟ هل تتحول الرعاية الصحية من حق إلى سلعة وهل يمكن لأي أم فقيرة أن تتحمل هذه الأعباء الإضافية؟
التشخيص الصحيح: الطبيب المختص
بصعوبة بالغة وبكثير من المعاناة، ذهبت الأم إلى طبيب أطفال مختص بعد تكلف وتدبر مرهق، وهو الذي كشف الحقيقة: الطفلة ليست مصابة بالزائدة الدودية، بل هو تجمع غازات في بطنها سبب المغص...أي تشخيص سيء هذا؟
وكم من الضرر يمكن أن يلحقه هذا التشخيص الذي لم يصح بعد من النعاس، لو تم اتخاذ إجراءات جراحية غير مبررة؟...كم من وقت وألم فقدته الطفلة ووالدتها؟
هذا التشخيص السيء ليس خطأً فرديًا فقط، بل هو نتيجة مباشرة لنظام صحي يفتقر للمعايير والرقابة.
قصة أقنعة الأوكسجين: عطارة المستشفى
في ظل كل هذا، يبرز مشهد آخر مؤلم...الأم، التي تعلم أن الطفلة تعاني من الربو، تحتاج إلى قناع أوكسجين خاص.... وكم احتاجت الطفلة في المستشفى نفسه لجرعة هواء، لكن في المستشفى، لا يُعطى القناع ، بل يجب شراءه من الممرضات، وهن يبعنه كسلعة، لا كحق إنساني....أي نظام صحي هذا يتشذق بتوسيع التغطية الصحية الوهمية؟ أي مرضٍ هو هذا الذي يجعل التنفس حقًا مشروطًا بقدر المال؟
أين الضمير؟ وأين العدالة الاجتماعية؟
أسئلة مُلحة... ومطالب واضحة
هل جرعة 500 ملغ من الباراسيتامول مناسبة لطفلة في الخامسة؟ أم أنها إهمال طبي يجب أن يتحمل مسؤوليته الطبيب المعالج؟ لماذا لا يتوفر في صيدلية المستشفى أدوية مضادة للمغص والغازات لتخفيف معاناة الطفلة بدلاً من تحرير وصفة تحاليل وصور... وبعدنا الطوفان
كيف يُترك قسم الطوارئ مغلقًا في أوقات حرجة؟ هل هو متجر أحذية..؟ من يراقب فساد بيع أقنعة الأوكسجين؟ وهل هناك من يحمينا من هذه "السوق السوداء" داخل المؤسسات الصحية؟
أين حقوق الطفولة والحق في الصحة والكرامة الإنسانية؟
نداء إلى وزير الصحة
وزيرنا الوسيم في الصحة...
هذه ليست مجرد قصة طفلة واحدة، بل هي نموذج صارخ لمعاناة آلاف الأسر، لمواطنين يقفون في صفوف انتظار لا تنتهي، يعانون من غياب الرحمة، وغياب المسؤولية، وتشخيصات خاطئة قد تكلف الأرواح.
نحن نتقاسم معك مأساة مستعجلات لا تصحو إلا عند الساعة التاسعة والنصف، وأقنعة أوكسجين تباع، ووصفات تحرر دون رحمة ولا إنسانية...
فتح قسم الطوارئ على مدار الساعة بفعالية، وتنظيم واضح وشفاف للدور وتقييم دقيق للحالات... إجراء عادي حتى في الدول الفقيرة جدا.... نحن المغرب يا وزير...
لهذا أصبح عاجلا وضع آليات صارمة لمنع أي شكل من أشكال الفساد، لا سيما في ما يتعلق ببيع المستلزمات الطبية الضرورية مثل أقنعة الأوكسجين، مع توفير الأدوية الأساسية والمضادات للآلام والمغص في مستشفياتنا العمومية.
ننتظر مساءلة ميدانية ومحاسبة هذا الواقع المؤلم الذي ينتج الخيبات واليأس متهورة، المستعجلات بالمحمدية تصحو مع التوقيت الإداري... بل إن الإدارة تفتح عند الساعة التاسعة..
ننتظر دعم الفئات الفقيرة وتمكينها من الحق في الرعاية الصحية بدون عراقيل مالية.
هذه طفلة، لم تتجاوز الخامسة من عمرها، معاناة عابرة لم تُعالج إلا بعد ضياع الوقت على يد طبيب خاص، وتأخر التشخيص، والفساد في أبسط الحقوق، ومؤسسات صحية لم تعد قادرة على أن تكون منارة أمل، بل تحولت إلى مسرح للمآسي... في المحمدية المستعجلات تحلم... تغط... في النوم حين يؤرق الألم مرضى مدينة الزهور...
حان الوقت لنعيد الحياة إلى هذا النظام، لحماية أبنائنا وأمهاتنا، لنكرم الإنسان، لنصون كرامته، ونصون حقه في صحة تليق به... والبداية فتح تحقيق في النازلة ونحن رهن إشارتك... لكل شهادة....
هذا مقال كتب بالألم والأمل....دعنا نكون في قلب الرعاية السامية لملك البلاد التي منحها بدون حدود لشعبه....لا تفسدوا بهاء هذه الرعاية العفوية العميقة بالفساد واللامسؤولية...