المهدي بنسعيد يخطط للضربة القاضية للقطاع الإعلامي بقانون خطير

Last Update :
المهدي بنسعيد يخطط للضربة القاضية للقطاع الإعلامي بقانون خطير
خالد أخازي

نهاية التنظيم الذاتي؟ الخطر الأخنوشي الرأسمال- إعلامي

صحافة تُدفن حيّة تحت أنقاض "الإصلاح"

لم يعد خافياً على أي مراقب للشأن الإعلامي المغربي أن ما يُسمى بإصلاح المنظومة القانونية المنظمة للصحافة، ليس إلا واجهة ناعمة لتحويل الإعلام إلى ذراع خاضع للرأسمال المتحالف مع القرار السياسي...

كبلوا المؤسسات الصحافية بأداء أجور الصحافيين، حتى أصبحت أكثرها صدى لأخنوش، والرأي ما تفتيه السلطة التنفيذية، أو على الأقل تتفادى ما يزعجه...

 

ولم يعد ممكنا كتابة رأي في أكثر من موقع أو جريدة خارج خريطة القول المباح، حتى مواقع كان أصحابها في الزمن القريب يتشذقون باليسار، وغلتهم من خفاء غنيمتهم، خوفا من غضب الباطرون الإعلامي... حتى الاختلاف... لم يعد ممكنا...

القوانين المصادق عليها مؤخراً، والمتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة ووضعية الصحافيين المهنيين، ليست سوى محاولة ممنهجة لدق آخر مسمار في نعش التنظيم الذاتي، الذي كان يُفترض أن يكون جوهر حرية التعبير وركيزة الديمقراطية الإعلامية.

أمن التنظيم الذاتي إلى الوصاية التشريعية المقنّعة

التنظيم الذاتي في الديمقراطيات الحديثة يقوم على مبدأ التوازن بين المكونات المهنية، حيث تتساوى الأصوات بغض النظر عن حجم المؤسسة. غير أن القانون الجديد ينصّ على إمكانية منح مقاولة واحدة عشرين صوتاً فقط لأنها تُراكم الأرباح. هذه المقاربة تؤسس لما يمكن تسميته "الديمقراطية الرأسمالية داخل الصحافة"، وهو مصطلح متناقض في جوهره، إذ لا ديمقراطية تقوم على تفوق المال بدل الشرعية التمثيلية.

في بريطانيا، يُعتبر Independent Press Standards Organisation هيئة مستقلة تُدار من طرف مهنيين مُنتخبين، وليس وفق منطق التعيين أو الوزن المالي. كذلك في كندا، تتكفل National NewsMedia Council بضمان حيادية التمثيل، ولا تُمنح الشركات الكبيرة أصواتاً مضاعفة في الانتخابات المهنية.

تعيين بدل انتخاب؟ انقلاب على روح الدستور

إحدى أخطر المواد تكمن في تحويل آلية تمثيل الناشرين من الانتخاب إلى الانتداب. كيف يمكن الحديث عن مجلس "وطني" يمثل الصحافة وهو يميز بين فئتين في الآليات الديمقراطية نفسها؟ الصحافيون يُنتخبون، بينما الناشرون يُنتدبون من قبل جمعيات قد تكون خاضعة في تمويلها وقراراتها لتوجيهات عليا. هذا التمييز يُشكل خرقاً واضحاً للمادة 28 من الدستور المغربي التي تضمن حرية واستقلالية الصحافة عن كل وصاية.

في دول مثل ألمانيا وفرنسا، أي تمييز في التمثيلية المهنية يعد غير دستوري، إذ يرتبط بحقوق المواطنة المهنية المتساوية، بغض النظر عن الموقع أو الصفة داخل الحقل الإعلامي.

تكريس طبقية داخل الجسم المهني

عوض أن تضمن النصوص القانونية تمثيلية متوازنة للصحافيين المكتوبين والسمعيين البصريين وصحافيي الوكالة، جاءت فضفاضة ومبهمة، ما يسمح بتمركز فئات مهيمنة على القرار، ويقصي الآخرين فعلياً من التأثير. بذلك، يُكرس القانون ما يُشبه "نقابة الأغنياء" داخل المجلس الوطني، تُحدد توجهات المهنة في معزل عن الفئات الهشة والمستقلة.

تحكيم قسري وعقوبات غير دستورية

فرض التحكيم في النزاعات داخل المقاولات الصحفية، وتحويله من خيار إلى إلزام، يُحوّل الجهاز المهني إلى محكمة تابعة، تُقيد حرية النقاش والمطالبة بالحقوق. أما العقوبات الجديدة كإمكانية "توقيف الصحف"، فهي استعادة لصيغة المنع الإداري بلبوس قانوني، وتتناقض تماماً مع المعايير الدولية لحرية الصحافة التي تعتبر التوقيف آخر حل يُلجأ إليه في حالات استثنائية، لا كأداة تنظيمية يومية.

مقارنة حقوقية:
وفق تقارير مراسلون بلا حدود وهيومن رايتس ووتش، فإن العقوبات الإدارية على الصحف، حين تُقر بقوانين غامضة ومطاطة، تُعد من أبرز مؤشرات التراجع الديمقراطي.

 الهيمنة المالية على القرار الإعلامي

حين تُعطى للمقاولات ذات الأرباح الأعلى حق مضاعفة التمثيل، يُصبح المجلس رهينة بين يدي لوبيات اقتصادية قادرة على توجيه السياسة الإعلامية وفق مصالحها. ما يُفرغ الصحافة من جوهرها النقدي والتحقيقي، ويحوّلها إلى خدمة إشهارية ناطقة باسم السلطة أو الرأسمال.

نحن أمام "تحالف غير مقدّس" بين السلطة التنفيذية والاحتكارات الإعلامية، يُنتج صحافة صامتة، لا تُزعج، لا تُراقب، ولا تُسائل.

 حين تُدفن الصحافة المستقلة بقوانين مُفصّلة على المقاس

المشروع الجديد لا يُصلح، بل يُصفّي. لا يُنظم، بل يُهيمن. إنه تشريع سلطوي برعاية الرأسمال، يُمأسس للتبعية ويُجهز على آخر آمال استقلالية الصحافة. فبدل تقوية التنظيم الذاتي وضمان المساواة بين المكونات المهنية، نعيش انقلاباً تشريعياً على الدستور نفسه. وحين تتحول القوانين إلى أدوات قمع ناعم، فإننا لا نكون أمام إصلاح، بل أمام تقنين سلطوي لانهيار المعنى الديمقراطي للعمل الإعلامي.

لا إصلاح بدون ديمقراطية تشاركية

على القوى المدنية والهيئات المهنية والمنظمات الحقوقية أن ترفض هذا "الإصلاح المزيف" وتطالب بإسقاطه أو تعديله جذرياً. فالمهنة لا يمكن أن تُقنن من خارجها، ولا يُمكن أن تُصلح من خلال اغتيال روحها...

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Comments 3 تعليقات
Type a small note about the comments posted on your site (you can hide this note from comments settings)
  • Tupi Tea 7 يوليو 2025 - 7:10

    Nice post. I learn something totally new and challenging on websites

  • Tupi Tea 7 يوليو 2025 - 5:10

    Nice post. I learn something totally new and challenging on websites

  • Cvety_ldmi 7 يوليو 2025 - 6:52

    Не знаете, как быстро подарить эмоции?
    Тогда вам стоит обратить внимание на интересную статью: букеты цветов СЃ доставкой РІ РњРѕСЃРєРІРµ.
    Это просто находка для тех, кто ценит удобство.
    В статье рассказывается о том, как оформить заказ за пару минут.
    Служба работает по Москве и области, а букеты — как на фото.
    Выбирайте проверенное качество!

الأخبار العاجلة

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept