تقدم لوحة "الصمود" شكلا إنسانيا منكمشا، ينحني رأسه، وربما تغطي يداه وجهه أو رأسه. يتجلى الأسلوب التجريدي والتعبيري بوضوح في ضربات الفرشاة السميكة التي تمنح العمل عمقا وملمسا.
تتفاعل الألوان الداكنة والفاتحة، خاصة درجات الأزرق والأسود والأبيض، مع ومضات من الأحمر والأصفر، مما يضفي على اللوحة حساسية عاطفية خام.
يوحي هذا التكوين على الفور بمشاعر القلق الوجودي (Angst) والرهبة والاغتراب، وهي مفاهيم أساسية في الفلسفة الوجودية. يبدو الشكل معزولًا، ربما غارقًا تحت ثقل الوجود أو في مواجهة حريته ومسؤولياته الثقيلة. يعزز الظلام المحيط به من جانب واحد شعورًا بالانغماس في فراغ مجهول أو مهدد. الطبيعة التجريدية للشكل، التي تفتقر إلى التفاصيل الفردية، تجعل التجربة التي تعبر عنها اللوحة عالمية. لا يتعلق الأمر بفرد بعينه، بل بصراع داخلي متأصل في الوعي البشري ذاته.
ينصب التركيز هنا على التجربة الذاتية، تلك "الوجود لذاته" الذي يصارع جوهر وجوده. قد نلمح أيضًا إيحاءً بـ"العبث" الكاموي في هذا الصراع المنفرد؛ إذ يمكن تفسير وضعية الشكل كاستجابة لغياب المعنى المتأصل في الكون أو لامبالاته، مما يؤدي إلى شعور بالتحطم أو الإرهاق.
من منظور فينومينولوجيا الجسد، كما تناولها ميرلو بونتي، نرى أن الوضعية الجسدية ذاتها هي التي تحمل المعنى. هذا الانكماش والانطواء ليس مجرد تمثيل للحزن أو اليأس، بل هو تجربة هذين الشعورين في حد ذاتها. الجسد هنا ليس وعاءً مجردا، بل هو الموقع الفعلي الذي يتجسد فيه وجودنا في العالم. تعبر ضربات الفرشاة الحيوية، وشبه العنيفة، والتباينات اللونية الصارخة، عن عاطفة خام غير مصقولة. ليس هذا حزنًا عقلانيًا، بل تجربة بدائية وحشوية.
ينقل الطلاء نفسه، بتطبيقه السميك، إحساسًا بالثقل والضغط الذي يعانيه الشكل.
على الرغم من الانطباع الأولي باليأس العميق، فإن غموض التجريد يسمح بتفسيرات أخرى. هل الشكل قد استسلم تمامًا، أم أنه يمر بلحظة تأمل عميق، أو انسحاب مؤقت لجمع القوى؟ قد تشير النغمات البيضاء والفاتحة ضمن الشكل، على الرغم من الجو العام المظلم، إلى نور داخلي، أو مرونة، أو جوهر للوجود يظل قائمًا على الرغم من الصعوبات.
يمكن أن تمثل الهاوية المظلمة على جانب واحد واللون الأزرق الأكثر إشراقًا وشبه الأثيري على الجانب الآخر صراعًا بين الفراغ العدمي وإمكانية البدايات الجديدة أو الفهم. يقف الشكل هنا على عتبة بين هذه المتناقضات.
من منظور التحليل النفسي اليونغي، يمكن رؤية هذا الشكل كصورة نمطية (أركيتايب) لـ"الذات الجريحة"، أو "الظل"، أو "الطفل الأبدي" في لحظة ضعف أو أزمة وجودية.
يمكن اعتبار فعل الإبداع نفسه، من خلال هذه الضربات القوية للفرشاة، شكلاً من أشكال التنفيس (الكاثارسيس) للفنان، حيث يتم إخراج الحالات النفسية الداخلية إلى الخارج. وبالنسبة للمشاهد، يمكن للوحة أن تثير التعاطف وتتردد صداها مع تجاربه الشخصية في مواجهة الصعوبات.
أخيرًا، تدعو اللوحة إلى التأمل الميتافيزيقي حول الطبيعة الأساسية للوجود. ما معنى أن "تكون"؟ وما هي الأعباء والأفراح المتأصلة في الوعي؟ يجسد الشكل "ثقل الوجود" بطريقة حسية للغاية. ورغم تصويرها الظاهري للعزلة، فإن العمل الفني، بكونه يُعرض ويُشاهد، يخلق نوعًا من الاتصال.
إنه يقر بأن هذه الصراعات الداخلية العميقة هي جزء من التجربة الإنسانية المشتركة، مما يعزز شعورًا بالتضامن حتى في أوقات الوحدة.
* فنانة تشكيلية ومصممة وناقدة جمالية




Thanks for the good writeup. It in reality used to
be a amusement account it. Glance complicated to more introduced agreeable from you!
By the way, how could we be iin contact? https://Glassiuk.Wordpress.com/