قطر الوساطة: هل انتهى الوهم مع الضربة الإسرائيلية في عمق الديار؟

الوسيط ضحية الخذلان

Last Update :
قطر الوساطة: هل انتهى الوهم مع الضربة الإسرائيلية في عمق الديار؟
خالد أخازي

قطر، تلك الدولة الصغيرة في خارطة الخليج، حاولت أن تفرض نفسها لاعبا محوريا في الشرق الأوسط، وأن تقدم صورتها كوسيط قادر على إدارة التناقضات وصناعة التوازنات. لكنها في كل مرة وجدت نفسها أمام حقيقة مرة: حضور إعلامي ضخم يقابله وزن سياسي هش، وادعاء دور إقليمي يقابله عجز عن حماية أبسط ركائز السيادة.

أنفقت الدوحة مليارات الدولارات لتصوير نفسها حاضنة للقضية الفلسطينية، فاتحة أبوابها لقيادات المقاومة ومقدمة نفسها بيتا للمنكوبين. غير أن هذا المشهد انهار حين جرت اغتيالات على أراضيها نفسها، لا في غزة أو بيروت، وتحت حماية القاعدة الأمريكية التي يفترض أنها توفر الأمن المطلق.

كيف يمكن لدولة أن تدعي الوساطة وهي عاجزة عن حماية ضيوفها؟ وكيف يمكنها أن تحتكر صورة الملاذ الآمن بينما الدم الفلسطيني يسفك بصمت في شوارعها؟

الإعلام القطري، وفي مقدمته قناة الجزيرة، الذي قدم طويلا كمنبر حر، وجد هو الآخر نفسه أمام تناقضات السياسة القطرية. فحين استهدفت إسرائيل صحافيي القناة ومكاتبها، لم يتجاوز رد الدوحة بيانات باهتة أقرب إلى الاعتذار منها إلى موقف سياسي صلب.

قناة تصرخ بلا سند، ودولة تختبئ خلف العبارات المائعة. الحرية التي لا تحمي نفسها تتحول إلى شعار فارغ.

وفي الحسابات الاستراتيجية، يظهر المشهد أوضح: قطر ملعب مفتوح للقوى الكبرى. قاعدة العديد الأمريكية تمثل السلطة الفعلية غير المعلنة، فيما إيران تلوح دوما بأنها قادرة على معاقبة أي خطأ قطري. السيادة هنا مشهد شكلي، والقرار الوطني يكتب في مكاتب الآخرين. أما في الداخل، فقبضة السلطة تحكم بلا معارضة حقيقية، ومجلس الشورى يتحول إلى واجهة شكلية، بينما الإعلام المحلي مقيد.

رغم الأموال الضخمة التي استثمرتها في الإعلام وكأس العالم والوساطات، انتهت الدوحة إلى صورة دولة مصطنعة، تضخم إعلامي بلا قاعدة صلبة.

ملف المونديال نفسه تحول إلى عبء حقوقي، من انتقادات ظروف العمال المهاجرين إلى تقارير دولية أدانت الانتهاكات، فيما اكتفت السلطات بحملات تلميع باهظة.

حتى أزمة الخليج 2017 كشفت هشاشتها: حين قاطعتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر، لم تجد ملاذا سوى الارتماء في أحضان تركيا وإيران. مقاومة المقاطعة بمالها لم تغير حقيقة التبعية. والوساطات التي تباهت بها في أفغانستان أو سوريا أو ليبيا لم تتجاوز حدود صور أمام الكاميرات، بينما القرار الحقيقي ظل بيد واشنطن وموسكو وطهران.

مقارنة بجاراتها تبدو الفوارق جلية. السعودية بما تملكه من ثقل اقتصادي وديني وسياسي، تفرض حضورها دون الحاجة لشعارات. الإمارات بدورها تمارس براغماتية واضحة، توازن بين مصالحها وتحركاتها الإقليمية، وتعرف حدود قوتها. أما قطر، فغرقت في صورة أكبر من حجمها، تتزين بالشعارات وتعيش على وهم الدور المؤثر.

قطر تحولت إلى نموذج للدولة التي تصدق دعايتها. دولة تستثمر في الصورة وتنهار عند أول اختبار. أمامها خياران: إما أن تستمر في لعب دور المهرج السياسي الذي يملأ المشهد بأضواء إعلامية زائفة، أو أن تجرؤ على إعادة بناء قرارها الوطني على أسس صلبة من السيادة والاستقلال. لكن المؤشرات حتى الآن تؤكد أنها اختارت الطريق الأسهل: البقاء في موقع الهشاشة، مجرد أداة صغيرة في لعبة الكبار.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الأخبار العاجلة

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept