فضيحة: المهداوي… وكتيبة الإعدام…

الوطن في خطر

Last Update :
فضيحة: المهداوي… وكتيبة الإعدام…
خالد أخازي

أمامنا مشهد يندى له الجبين، مشهد يكشف عن الوجه الآخر للسلطة المؤسساتية المنفلتة من عقال القانون، التسلط الذي يوظف المؤسسات لتصفية الحسابات، لاغتيال الآخر... المختلف... غير المروض... الذي ليس منا وليس معنا...

حين تتحول المؤسسات، التي من المفترض أن تحمي الحق، إلى أدوات قمع وتشويه. حميد المهداوي، الصحفي المغربي المستقل، ليس مجرد صحفي، إنه صوت الحقيقة الغائبة، المكلفة، التي يهرب منها الجميع في زمن الغنيمة...في زمن تغيب فيه العدالة في أبسط تجلياتها... المهداوي رمز للصحافة التي لا تساوم على كشف الفساد...

الفيديو المسرب الذي ظهر مؤخرا لا يظهر مجرد خلاف تنظيمي أو انفلات لغوي... ربما ما يظهر هو جبل الجليد، والجزء الأكثر ظلمة من مشهد مخطط له، مدروس، حيث تسلط الأضواء على أسلوب المنع والاغتيال المهني.

المشاهد التي تكشف عن المداولات الممسرحة، الصراعات الخفية، والتحضيرات الممنهجة، تكشف عن تصاعد الضغينة والكراهية. لم يعد النقاش حول الحق والباطل، بل حول مسألة واحدة: كيف يقضى على المهداوي، كيف يسلب رزقه، وكيف تسد نافذته الصحفية.

إن ما يثير الرعب ليس مجرد وجود خلافات، بل برود الأعصاب التي تنفذ هذه المخططات، كأن هؤلاء الأشخاص في مسلخ يجربون مختلف السكاكين، بعقلية الجلاد البارد، مصممين على سحق كل أثر للقيم والمبادئ.

الضغينة هنا ليست عابرة، بل مدروسة، مكتوبة في كل حركة، في كل كلمة، وكأن المعجم الذي ساد وفشل هو معجم تناسل وانتعش في أسرة الشيطان: لغة القتل، الاغتيال، الإقصاء... لغة تطال الكرامة والأسرة.. والثقة.. هل بعد هذا ممكن بناء الثقة...؟ 

تساؤلات عديدة تفرض نفسها: كيف يصبح القضاء مستباحا بهذه الطريقة التي تحدث بها من تحدث كأنه ضابط إيقاع الأحكام؟ كيف يسمح لجهة ما بالتحكم في أحكام الإعدام الإعلامي والمهني؟ وكيف يُستخدم "le petit mot" في وجه أعلى سلطة قضائية لتبرير المساطر الظالمة؟ وهل يمكن أن يسكت عبد النباوي عن كل هذا؟ وهل يمكن أن تظل الدولة صامتة أمام هذه التجاوزات؟

هذه الممارسة لا تخص شخصًطا بعينه فقط. إنها رسالة لكل صوت مستقل، لكل صحفي يجرؤ على الاقتراب من زوايا الغنيمة المظلمة. فالمهداوي تلقى الضربات تلو الضربات، ليس فقط من خلال الأحكام، بل من خلال استراتيجيات ممنهجة لتقليص مساحته المهنية، لتهميشه، ولتحويل رسالته إلى تهديد يحارب بكل الوسائل.

ما نراه في الفيديو ليس انفلاتا لغويا، بل كشف لآليات السيطرة والخداع. هناك مخطط واضح، ربما تتوزع فيه الأدوار بين عدة أطراف، كل يؤدي دوره بدقة، في كتيبة المسخ والاغتيال. كل خطوة محسوبة، كل كلمة مقررة، وكل ضربة توجه بشكل يهدف إلى القضاء على الكلمة الحرة... وبلغة قاتلة... حاقدة... من يكره المهداوي لهذه الدرجة... من منح هؤلاء الضوء الأخضر للقتل المعنوي.. ؟ من يخاف من المهداوي؟

العداء الحاقد المتكالب ضد المهداوي، بهذه الصورة المكثفة، يثير سؤالا أخلاقيا وإنسانيا: من يملك كل هذا الحقد، وكيف يتحرك بعقلية باردة لإلغاء الآخر؟ هل المطلوب منه أن يصمت إلى الأبد؟ وهل من العدالة التنظيمية أن يتحول الإنسان الذي يمارس مهنته في كشف الحقيقة إلى ضحية للمؤامرة الممنهجة؟

هذه القضية أكبر من مجرد فيديو مسرب أو محاكمة مؤسساتية. إنها اختبار لضمير المجتمع، للمؤسسات، وللدولة نفسها.

إنها اختبار للقدرة على الدفاع عن قيم الحق والعدالة والحرية. والصوت الذي يطالب بالعدالة هنا ليس صوت المهداوي فقط، بل صوت كل إنسان يرفض أن تسلب الكرامة، وأن تقمع الحقيقة، وأن تتحول المؤسسات من حامية للحق إلى أدوات للقهر والإقصاء.

الرسالة واضحة: السكوت اليوم عن ما يحدث للمهداوي هو السكوت عن كل حرية، عن كل كرامة، عن كل إنسانية. لا يمكن أن نغض الطرف عن الآلية التي تستهدف الصحفي، ونتركها تتحرك بعقلية مسلخية، تحرف القانون، وتلغي الأخلاق. إن الدفاع عن المهداوي هو دفاع عن حرية الصحافة، عن الحق في التعبير، وعن الضمير الإنساني نفسه... عن الوطن.... الوطن مهدد يا سادة..!

إن المشهد الذي كشفه الفيديو المسرب هو دعوة لكل مدافع عن الحقحميد المهداوي: بين العدوان الإعلامي والاغتيال المهني، لكل صوت حر، لكل من يملك شعورا بالعدالة: لا يمكن أن نصمت أمام آلة الانتقام هذه. إن الدفاع عن المهداوي هو فعل إنساني قبل أن يكون موقفا صحفيا. هو رفض لأن تتحول حرية الكلمة إلى جريمة، ورفض لأن تتحول المؤسسات إلى أدوات اغتيال مهني وقيمي... 

ما يحدث للمهداوي ليس حادثة عابرة. إنه تحذير، إنه اختبار، إنه دعوة للاستيقاظ. من يخاف من المهداوي؟ من يكره الكلمة الحرة؟ ومن يسعى لتجريد الإنسان من أدواته المهنية ومن قدرته على الدفاع عن الحقيقة؟ الإجابة على هذه الأسئلة تحدد ملامح مجتمعنا، ومستقبل الصحافة فيه.

المهداوي لن يكون وحيدا بعد اليوم. كل من يؤمن بالحرية، كل من يرفض الظلم، كل من يرفع صوته ضد القمع، هو معه. والسكوت ليس خيارًا، إنه انخراط في الظلم ذاته. والعدالة الحقيقية، تلك التي تحمي الصحفي المستقل، هي التي تكشف الوجه الحقيقي للتغول باسم القانون، وتجعل من قضية المهداوي بداية لمحاكمة شعبية قبل أن تكون قانونية: من يكره الوطن لهذه الدرجة؟

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Comments 15 تعليق
Type a small note about the comments posted on your site (you can hide this note from comments settings)
الأخبار العاجلة

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept