في عالم يموج بالصراعات والمآسي، تظل بعض المواقف الإنسانية تضيء الطريق، مؤكدة أن الضمير العالمي لم يمت بعد.
ففي لفتة شجاعة ومؤثرة، قرر فريق نادي بودو-غليمت النرويجي التبرع بكامل عائدات مباراته ضد مكابي تل أبيب الإسرائيلي لدعم الجهود الإنسانية في قطاع غزة، حيث تعاني آلاف الأسر من آثار الحرب والدمار المستمر.
القرار الذي اتخذه النادي لم يكن مجرد خطوة خيرية، بل كان موقفًا أخلاقيًا ورسالة واضحة بأن الرياضة لا يمكن أن تكون بمنأى عن القضايا الإنسانية.
بلغ التبرع نحو 65 ألف دولار، وذهب مباشرة إلى الصليب الأحمر لمساندة المدنيين الذين يواجهون أوضاعًا كارثية، بين انقطاع الكهرباء وشحّ الماء والغذاء، تحت وطأة القصف والحصار.
في بيانه الرسمي، أشار النادي إلى أنه لا يمكن تجاهل الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في مناطق النزاع. وأضاف: “نحن نادٍ رياضي، لكن عندما يكون الظلم واضحًا، لا يمكن أن نغضّ الطرف. الرياضة ليست معزولة عن الواقع، بل يمكنها أن تكون أداة للتغيير.”
هذا الموقف يتناقض مع رواية طالما روجت لها بعض الجهات، بأن الرياضة يجب أن تظل بعيدة عن السياسة.
لكن متى كانت حقوق الإنسان شأنًا سياسيًا؟ عندما يُقتل الأطفال وتُقصف المستشفيات، فإن الصمت ليس خيارًا، بل تواطؤ مع الجريمة.
لم يكن النادي وحده في هذه المبادرة، فجماهيره أظهرت وعيًا كبيرًا خلال المباراة، متجاهلة الاستفزازات القادمة من المدرجات المقابلة. كما أشادت شخصيات سياسية ورياضية بالموقف، ودعا برلماني تركي الأندية الأخرى للاقتداء بهذا النموذج المشرف.
أهمية هذه الخطوة لا تكمن فقط في المبلغ المتبرع به، بل في الرسالة الرمزية التي حملتها للعالم: إلقاء الضوء على معاناة غزة في ظل التواطؤ الإعلامي العالمي.
وتذكير بأن الشعوب قادرة على التأثير، حتى في أكثر المجالات تحكمًا، مثل الرياضة، وتشجيع الأندية الأخرى على اتخاذ مواقف جريئة، بدلاً من الاكتفاء بالشعارات الفارغة.
وسط القتل والتجويع والتشريد، يظل الأمل موجودًا في مواقف إنسانية مثل هذه. ربما لا تستطيع الرياضة وقف القصف، لكنها تستطيع أن توصل الصوت، وأن تثبت أن الضمير العالمي لم يمت تمامًا. غزة ليست وحدها، وستظل هذه المواقف منارات في زمن عزّ فيه الانتصار للإنسان.