في عالم السياسة، هناك شيء يدعى “المبادئ”، وفي عالم الاقتصاد، هناك شيء يدعى “المصالح”، وعندما يتواجه الاثنان، فمن البديهي أن يفوز الأخير بالضربة القاضية. الجزائر، التي لا تعترف بإسرائيل ولا تفوّت مناسبة لتأكيد دعمها المطلق لفلسطين، تصدّرت قائمة كبار المصدّرين العرب لتل أبيب، لتسجل أرقامًا تجارية بلغت أكثر من 30 مليون دولار منذ 2017. نعم، لا غرابة، فهذه ، فتقرير اقتصادي موثق يفضح ما تحاول الخطابات الحماسية إخفاءه.
يبدو أن العداء السياسي شيء، والتجارة شيء آخر تمامًا، بل لنقل إنها تسير وفق قاعدة: “نرفضك أمام الجماهير.. لكن لا مانع من صفقة في الكواليس”.
ووفقًا لأرقام مركز التعقيد الاقتصادي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، فقد نجح الاقتصاد الجزائري في شق طريقه إلى إسرائيل عبر بوابة “الهيدروجين”، ذلك الغاز الذي يُفترض أن يكون منزّهًا عن الحسابات السياسية، لكنه اختار أن يكون أكثر براغماتية من أصحابه. ومن يدري، ربما يخرج علينا أحد المسؤولين ليؤكد أن هذا الهيدروجين تسلل وحده إلى تل أبيب دون علم أحد، أو أنه “أُعيد تصديره” في ظروف غامضة، تمامًا كما يحدث لبعض المواقف المبدئية عند أول اختبار!
والأجمل في الحكاية ليس مجرد التبادل، بل نموه المستمر وكأنه مشروع شراكة واعد: 9.77 مليون دولار في 2020، ثم قفزة بـ53% في 2021، ثم نمو إضافي بـ41% في 2022. ما هذه العلاقة التجارية المزدهرة بين “الخصمين”؟ أي عبقرية هذه التي تجعل الأرقام تكذّب الشعارات في وضح النهار؟
في هذه اللعبة، الأسئلة أكثر من الأجوبة، لكنها كلها تدور حول نفس الفكرة: كيف يتم هذا التبادل؟ من هي الأطراف التي ترتب هذه الصفقات؟ ولماذا تختفي البيانات التفصيلية حول طبيعة المنتجات؟ وربما السؤال الأهم: متى يصبح للخطابات السياسية قدرة تنافسية أمام الأرقام الفعلية؟ لكن دعونا لا ننتظر إجابات، فالصمت الرسمي هنا ليس مجرد خيار، بل ضرورة لتجنب إحراج غير قابل للتبرير.
كل ما في الأمر أن السوق لا يعترف باللاءات السياسية، بل يتبع قاعدة بسيطة: المال لا يحمل جواز سفر، والهيدروجين لا يحتاج تأشيرة، والمصالح دائمًا أذكى من الأيديولوجيا. ففي النهاية، وبينما يصفق البعض للشعارات، هناك من يجلس في الخلفية، يحتسب الأرباح وينظر إلينا بدهشة، متسائلًا: “كيف ما زالوا يصدقون كل هذا؟”.



