برادة يمنح تعويض سنوي عن العمل في المناطق النائية.. لكن

Last Update :
برادة يمنح تعويض سنوي عن العمل في المناطق النائية.. لكن
تمغربيت24

 

بين الوعود والواقع: أين الحلول الجذرية لأزمة تعليمنا الأولي؟

في خطوة اعتُبرت رمزية أكثر منها بنيوية، أعلنت وزارة التربية الوطنية عن تخصيص منحة سنوية بقيمة 5000 درهم لفائدة مربّي ومربّيات التعليم الأولي العاملين في المناطق النائية.

ورغم ما تحمله هذه المبادرة من اعتراف ظرفي بجهود هذه الفئة التي تشتغل في ظروف مجالية ومادية قاسية، فإنها تظل مجرّد قطرة في بحر الإشكالات العالقة التي تؤرق واقع التعليم الأولي وتفضح ضعف الإرادة السياسية في التعاطي الجاد مع هذا الورش الاستراتيجي... ولا يعرف هل ستظل سنوية أم مزاجية.

ذلك أن مربّي ومربّيات التعليم الأولي، والذين يُفترض أن يشكلوا حجر الأساس في منظومة التنشئة الأولى، ما يزالون يشتغلون في ظل أوضاع هشة لا تليق بمقام رسالتهم، حيث يُدبّر ملفهم خارج الإطار النظامي للمرفق العمومي، ويُدفع بهم إلى هامش “التعاقد مع الجمعيات ” ومؤسسات وسيطة، مقابل أجور هزيلة بالكاد تبلغ الحد الأدنى للأجر..

ورغم المجهودات التي تبذلها المؤسسة الوطنية للتعليم الأولي في سبيل تنظيم وتأطير القطاع، فإن غياب التنزيل القانوني والسياسي لوظيفة  المربيات يظل عائقًا بنيويًا، في ظل تشتت القرار بين الوزارات وتعدد المتدخلين دون تنسيق فعلي.

وزاد من تعقيد الصورة ما أصبح يُشبه مهزلة مؤسساتية بامتياز...في حكومة تتعدد فيها رؤوس القرار، وتتأرجح الملفات بين وزارة تحسم وأخرى ترفض، وكان كاف أن يمارس أخنوش سلطة التراخيص الاستثنائية لحل جل الملفات للعالقة بما فيها المرتبطة بالمادة 81 شهيدة عدم النكث باليهود.

وفي هذا السياق، تم تعليق تنفيذ المادة 89 من النظام الأساسي الجديد لدى الأمانة العامة للحكومة، وهي المادة المتعلقة بتسوية وضعية "المتصرفين التربويين" الذين وجدوا أنفسهم متضررين ماليًا عقب تغيير إطارهم. والمفارقة أن وزير التربية الوطنية كان قد وقّع مرسومًا صريحًا لحل هذا الملف، وكان يكفي فقط ترخيصٌ استثنائي من رئيس الحكومة، الذي كان أصلًا أحد الأطراف الموقعين على كل الاتفاقيات المتعلقة بالإصلاح التربوي.

غير أن التعطيل المستمر، دون مبررات واضحة، يكشف حجم التناقض المؤسسي، ويطرح علامات استفهام عريضة حول مدى جدية الحكومة في تنزيل التزاماتها تجاه العاملين في القطاع.

إن هذا النموذج من العرقلة لا يمثّل حالة شاذة، بل يُجسّد خللًا هيكليًا في تدبير الملفات التعليمية، حيث تتأرجح المشاريع بين مباركة من وزارة التربية الوطنية ورفض صامت أو معلن من وزارات أخرى كوزارة المالية أو أمانة الحكومة، في مشهد يعكس غياب قرار حكومي مركزي موحّد، ويؤكد وجود تشتت واضح في الرؤية التدبيرية.

ما يُفرغ شعارات "تعميم التعليم الأولي" و"إصلاح المنظومة" من مضمونها... هو التهرب من مسؤولية الحكومة عن قطاع حيوي جزء من التعليم المدرسي، علما أن جل الاتفاقيات السابقة التي وُقعت بين الحكومة ومختلف الشركاء الاجتماعيين منذ 2019، يتبيّن أن أغلبها وُضع في الثلاجة، دون تنفيذ فعلي، ودون حتى بلاغات توضيحية للرأي العام، وكأننا أمام ممارسة سياسية تُدمن إنتاج الوعود وتجميدها في الآن ذاته.

إن الأزمة في جوهرها ليست فقط أزمة تمويل، بل هي أزمة غياب قرار سيادي موحد، وأزمة غياب أفق مؤسساتي يضمن الانتقال من حلول ترقيعية إلى إصلاح حقيقي يرتكز على هيكلة القطاع وضمان كرامة الفاعلين فيه.

فأن يُترك مربّو التعليم الأولي في دوامة العمل المؤقت بأجور زهيدة تحت إشراف جمعيات غير مؤهلة أحيانًا، مع تعليق ملفات تسوية أوضاع أطر تربوية رغم استكمال مساطرها القانونية، فذلك دليل على عمق الاختلالات التي تعيشها منظومة التعليم، والتي لا يمكن تجاوزها بمنحة ظرفية أو بلاغات إعلامية مناسباتية.

إن إنقاذ التعليم الأولي من حالة الترقب والتهميش لا يمر عبر الترويج لشعارات السياسات العمومية، بل يتطلب قرارًا شجاعًا، متكاملاً، ومركزيًا، يحرّر الفاعلين من هشاشة العقود وينقلهم إلى فضاء العمل الكريم المؤطر قانونيًا والمؤمن اجتماعيًا، ويضع حداً لعبثية تنازع الاختصاصات بين المؤسسات.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الأخبار العاجلة

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept