المعادلة العجائبية لمديرة أكاديمية: كل “تلميذ رائد” يساوي 80 تلميذا “غير رائد”

تصربح ... قد يكون مكلفا اجتماعيا

Last Update :
المعادلة العجائبية لمديرة أكاديمية: كل “تلميذ رائد” يساوي 80 تلميذا “غير رائد”
خالد أخازي

حين قالت مديرة الأكاديمية الجهوية للتربية بجهة طنجة تطوان الحسيمة إن تلميذا واحدا من المدرسة الرائدة يساوي 80 تلميذا من المدارس غير الرائدة، لم يكن هذا مجرد تصريح عابر يمكن تجاوزه، بل معادلة عبثية كاملة، لا تقاس، لا تفهم، ولا تؤوَّل... لدرجة أنها أصبحت شأنا من شؤون الداخلية.... لخطورتها على الاستقرار الاجتماعي.

المفاجأة ليست في الرقم نفسه، ولا في المقارنة بين المدارس، بل في الغرابة الكاملة للتعبير، في كلمة "يساوي" نفسها، التي تجعل الجودة والكفاءة قابلة للقياس بمعادلة رياضية سحرية، وكأن الأطفال يُقاسون بالأعداد وليس بالحق في التعلم والنمو والتربية.

ما هذا التشخيص العجائبي خويا برادة؟ والله أردت تصوره... تنزيله... قياسه... وجدته مجرد تعبير لغوي طائش بلا حمولة دلالية بيداغوجية.

لو صدقنا هذا التشخيص المجحف، فإن عشرات الآلاف من أطفال المغرب يساوون مجرد بسط كسر مقامه من 80 تلميذا في المدرسة الرائدة، أي أن قيمتهم تُختزل في نسبة 1/80 فقط، وهو تعبير قاسٍ، إقصائي وتمييزي لا يمكن قبوله، ويترجم شعورًا بالظلم والتهميش لأولياء الأمور الذين شعروا فجأة أن فلذات أكبادهم يساون كسر 1/80. خويا برادة شرحها لي بالخشيبات.... راني ما 'قشعت والو.  

هذا التصريح، لو أخذنا به، يصبح من شأنه أن يخلق توتراً اجتماعياً حقيقياً لأنه تشخيص يؤلب الغباء وأولياء الأمور، ويجعل شعورهم بأن فلذات أكبادهم يساون جزءًا تافهًا من المعادلة العجائبية.

 

المعادلة نفسها، وكلمة "يساوي" تحديدا، مصيبة... فضيحة...بكل المعايير التدبيرية والتربوية والبيداغوجية...حتى وإن قالتها من باب المبالغة، أو كناية عن الجودة... فهذا خطاب يعمق اليأس والإحساس بالغبن... ماذا  لو قال أولياء الأمور " نريد حالا ما تبقى من معادلة المديرة لأبنائنا..."  وحلها أنت...

العبارة العجائبية غير القابلة لا للقياس ولا الأجراة...تجسيد لوهم كامل لا أساس له في الواقع التربوي. هل المقصود الكفايات؟ المهارات الأساس؟ الجودة؟ مهارة الحساب والكتابة والقراءة دون أفق للابتكار والتميز؟

أم  هي مجرد وهم أرقام فارغة؟ لا أحد يعرف، والتصريح لا يقدم أي وضوح، لكنه كفيل بأن يحول التعليم إلى لعبة أرقام بلا معنى، ويحوّل المدرسة الرائدة إلى رمز وهمي للجودة والكفاءة، وبقية المدارس إلى ظلال لا قيمة لها، ولا تُقاس إلا وفق هذه المعادلة العجائبية.

لنحاول تنزيل هذه العبثية  في كل شيء: التلميذ يتحول إلى رقم قياسي، كل نجاح يسجل كمعجزة، وكل إخفاق في المدارس الأخرى يصبح عاديا وغير مهم. الأستاذ يصبح "أعجوبة" إذا نجح في إنتاج تلميذ واحد وفق المعادلة، بينما بقية الأساتذة يسجلون كأنهم غير موجودين.

المعادلة تجعل من المدرسة العادية مجرد ظل لا وزن له، ومن المدرسة الرائدة مختبرات  للخيال البيداغوجي، حيث تتحكم الأرقام الوهمية في الواقع، وتصنع شعورا بالتمييز والإقصاء.

هذا التصريح، إما عبثي بالكامل، أو غير مسؤول، لأنه يهدد الأمن الاجتماعي العام ويزرع التوتر بين أولياء الأمور والمدرسة، ويجعل التلاميذ خارج المدرسة الرائدة يشعرون بأنهم مجرد كسور لا قيمة لها. 80 تلميذا من المدارس غير الرائدة يصبحون، وفق هذا التصريح، مجرد جزء صغير من تلميذ واحد في المدرسة الرائدة، وهو وصف يعكس إقصاء وتمييزا صارخا ضد عشرات الآلاف من أطفال المغرب... 

العدد الغرائبي هنا 80، بالضبط... أريد تفسيرا علميا فقد كنت معلما وجربت كل أشكال التشخيص... حتى تم طرد كزافيي...

هذا ليس مجرد رقم، بل رمز للعبث الإداري الذي يفتقر لأي أساس تربوي أو اجتماعي. هو رقم يختزل التلميذ إلى جزء من كسر وهمي في معادلة عبثية، ويجعل مديرة الأكاديمية تتعامل مع المدارس وكأنها خطوط إنتاج للأرقام، والأساتذة كأنهم آلات، والتلاميذ مجرد كسور لا وزن لها.

ما الذي ينتظره الوزير برادة؟ هل فتوى أخرى على منوال التقاعد النسبي لأسباب صحية؟ أم شجاعة مدبر بمرجعية قوية، قادر على اتخاذ موقف جريء، بدون طعم الحلاوة، نريدها مرارة هذه المرة؟

الأمل ما زال معقودًا على اتخاذ القرار المناسب لإعادة ترتيب بيت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، قبل أن تتحول تصريحات العبث إلى أزمة وطنية حقيقية.

التعليم لا يحتاج إلى أرقام سحرية ولا معادلات وهمية، بل يحتاج إلى عدالة، إنصاف، كفاءة واقعية، ومساءلة حقيقية. التلميذ ليس رقمًا، المدرسة ليست معادلة، والأساتذة ليسوا أدوات إنتاج، بل فاعلون تربويون يستحقون دعمًا فعليًا، والمساواة بين المدارس يجب أن تُحترم عمليًا لا بالتصريحات الفارغة.

استمرار مثل هذا الفريق التدبيري الجهوي في تبني هذه المعادلات يعني تكريس الانقسامات والفوارق الاجتماعية وإهانة آلاف الأطفال، وتحويل التعليم إلى لعبة أرقام فارغة بلا معنى.

لقد آن الأوان لإعادة النظر في معايير الفريق التدبيري، وإلغاء أي معيار قائم على أرقام لا معنى لها، واعتماد معايير علمية وواقعية تراعي الفروق الفردية، ظروف التعلم، وتطوير الكفاءات الحقيقية للتلاميذ والأساتذة.

نداء عاجل إلى برادة: التعليم يحتاج إلى ميزان حقيقي، لا أرقام وهمية ولا تصريحات عبثية، بل عدالة وإنصاف وكفاءة قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

الأمل معقود عليك لاتخاذ قرار شجاع وفوري لمحاسبة من يصرف مثل هذا الخطاب  العبثي، ويهدد السلم  الاجتماعي ...ولإعادة النظر في الفريق التدبيري بأكمله، ولحماية الأطفال من وهم المدرسة الرائدة والمعادلات العجائبية التي لا تقاس ولا تفهم ولا تؤوّل.

العبثية الكاملة لهذا التصريح تكشف عدم فهم الواقع التربوي وإهمال الأثر الاجتماعي لخطابات المسؤولين. المعادلة "تلميذ واحد = 80 تلميذا من المدرسة غير الرائدة" تحول التلميذ إلى رقم، والمدرسة إلى رمز وهمي، والأساتذة إلى أدوات إنتاج، وتترك المجتمع في حالة من الغضب والإحباط، وأولياء الأمور يشعرون بالإهانة والتمييز، بينما الإدارة تتشبث بهذا الوهم كما لو كان معيارًا رسميًا.

التعليم يحتاج إلى قرار شجاع: إعادة النظر في الفريق التدبيري، إعادة الاعتبار للممارسة التربوية الحقيقية، حماية الأطفال من العبث، وضبط الخطاب التواصلي لخطورته الجماهيرية، فكل خلل قد يهدد التوازن الاجتماعي ويفشي الانقسامات بين التلاميذ والمدارس والأساتذة وأولياء الأمور... 

يجب أن تكون كل مدرسة وكل تلميذ وكل أستاذ له قيمة متساوية، وأن تقاس الجودة والكفاءة بالواقع الفعلي، لا بالأرقام السحرية ولا بالتصريحات العبثية التي لا أساس لها.

حان الوقت لاتخاذ موقف حقيقي، شجاع، ومر... دون حلاوة... يوقف العبث الإداري، ويعيد للوزارة هيبتها ومصداقيتها، ويضع الأطفال والأساتذة والمجتمع أمام معايير حقيقية للعدالة والكفاءة والجودة.

التعليم ليس أرقاما ولا معادلات، التعليم عدالة وممارسة واقعية، ومن لم يفهم ذلك يجب أن يعاد النظر في مكانه ومسؤوليته.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الأخبار العاجلة

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept