* جمال رداحي: أستاذ وباحث
لايمكن لأي مجتمع الرقي والتطور بدون وجود تعليم قادر على خلق انسان ذو رؤية نقدية للأشياء من حوله وفي مقدمتها واقع السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها من المجالات داخل المجتمع الذي ينتمي اليه، هناك مجموعة من الأسئلة إذا ما بحثنا لها عن إجابة حقيقية، فإننا نستطيع الوصول لحلول من أجل الإصلاح وهي: لماذا المنظومة التربوية المغربية تعاني من كل هذه المشاكل؟ ماهو سبب تراجع التعليم المغربي الى هذا المستوى؟ هل هناك ارادة حقيقية من أجل الاصلاح؟
إذا ما قمنا بالتمعن في واقع هذا التعليم سنجد أن الأزمة نابعة بالأساس من الفوق من أصحاب المكاتب المكيفة، أصحاب البروج العالية، كيف يعقل بدولة ترغب في النهوض بالتعليم وتطويره تعيين على رأس هذه الوزارة أشخاض لا علاقة لهم بهذا المجال، وفي فترة سابقة تعيين شخصيين من حزبين متباينين وبمرجعية وبرامج مختلفة كل يغني على ليلاه، فالاصلاح لايسلط من الفوق وانما ينبع من واقع المدرسة المغربية ومحيطها عبر مقاربة تشاركية وانخراط كافة الفاعلين و المعنيين بالشأن التعليمي في صناعة القرار التربوي. الملاحظ للشأن التربوي المغربي خلال الظرفية الراهنة أنه لاوجود ولو لجزء بسيط من الاصلاح ( مستوى متدني، اكتظاظ في الفصول الدراسية التي تحولت لثكنات عسكرية، بنية تحتية هشة وتجهيزات ضعيفة وموارد بشرية غير كافية لسد الخصاص، حالة متردية للممؤسسات التعليمية ….)، يمكن القول أن المسؤولون عن القطاع يظنون أن الاصلاح هو صرف الميزانية وتبديرها يمينا ويسارا وفي الأخير الوصول الى نقطة الانطلاقة وهكذا دواليك، منذ خروج المستعمر والمغرب يجرب اصلاح تلو الأخر ، بدءا بالأهداف إلى المقاربة بالكفايات ثم بيداغوجية الادماج التي أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لاتتلائم مع خصوصيات المجتمع المغربي، فالشروط الذاتية والموضوعية غير متوفرة لأجرأة هذه البيداغوجية على أرض الواقع لكن المسؤولين لايهمهم الملاءمة من عدمها، بقدر ما يهمهم الارتجال والعشوائية لدرجة العبث في ميدان لايصلح العبث فيه، ثم المخطط الاستعجالي، وفي الأخير الرؤية الاستراتيجية، 2015-2030 التي مرة عليها لحد الأن ثمان سنوات ولم يتغير أي شيء بل ازدادت الأمور سوءا، ثم القانون الاطار وخريطة الطريقة… كل هذه الاصلاحات استنزفت أموال خيالية، دون إصلاح يذكر، حيث ظلت دار لقمان على حالها، بل تسير من سيء إلى أسوء. يمكن الجزم أن التعليم مات ، مات هما وغما من سياسة الترقيع التي لا ترى فيه الا استهلاك للموارد المالية للدولة في حين ان الاموال، اموال دافعي الضرائب من الفئات المحرومة في هذا الوطن ، مات التعليم منتحرا من مجتمع اصبح ينظر اليه نظرة دونية، ولم يعد من أولوياته، نحن اليوم نعيش مآساة حقيقية داخل قطاع التعليم نتيجة النظام الأساسي الذي اصدرته وزارة التربية الوطنية، والذي يريد ادخال نظام السخرة داخل قطاع التعليم وتحويل هيئة التدريس الى “خماسة” داخل الضيعات، عن طريق تجريدهم من ابسط حقوقهم المادية والاعتبارية والاجتماعية، في الوقت الذي اغذقت بالتعويضات على باقي الفئات، كيف يمكن تحسين مستوى التعليم والنهوض به في ظل تقزيم وضعية الأستاذ والحط من قيمته، بل وجعله الحلقة الأضعف داخل المنظومة؟
تطور المجتمع رهين بتطور وتحسين مستوى التعليم والشعوب تقاس بمستواها الثقافي، وفي هذا الوطن المسؤولون لاتهمهم الثقافة بقدر ما يهمهم المحافظة على الوضع القائم عبر اعادة الانتاج ، على اعتبار أن المدرسة في المجتمع من أهم اجهزة الدولة الايديولوجية.