فساد محتمل أم سوء التدبير أم هما معا، يجهضان ملحمة زلزال الحوز؟

آخر تحديث :
فساد محتمل أم سوء التدبير أم هما معا، يجهضان ملحمة زلزال الحوز؟

خالد أخازي

في الثامن من سبتمبر 2023، تعرض المغرب لزلزال مدمر بقوة 6.8 درجة على مقياس ريختر، مركزه قرب جماعة إغيل في إقليم الحوز. أسفر هذا الزلزال عن مقتل نحو 2946 شخصًا وإصابة أكثر من 5674 آخرين، مما جعله واحدًا من أكثر الكوارث الطبيعية دموية في تاريخ البلاد. وقد تضررت العديد من المناطق، بما في ذلك مراكش وتارودانت وأكادير، حيث انهارت المباني التاريخية والسكنية، مما ترك آلاف الأسر بلا مأوى.

استجابةً لهذه الكارثة، أطلق الملك صندوقًا خاصًا لإعادة إعمار المناطق المتضررة، بتخصيص ميزانية تصل إلى 120 مليار درهم، وهب المغاربة بشكل طوعي هبة عارمة إنسانية، ذات دلالات اجتماعية قوية وعميقة، نحو مناطق الزلزال لتقديم الدعم والعون لإخوتهم المنكوبين.

ويذكر أن الجمعيات والمنظمات المدنية والأفراد والعائلات  التحقوا بالمناطق المنكوبة دون توجيه أو تعبئة مؤسساتية، في مشاهد تضامنية أثارت إعجاب العالم وأبهرت الرأي الدولي، وبأسلوب حضاري، حيث تجند وتعبأ المغاربة في كل مدينة وقرية وحي، لتقديم الدعم بغض النظر عن إمكاناتهم وقدراتهم، وتداول العالم صور ومشاهد حية عن هذه الملحمة الإنسانية التي جددت قيم التضامن والتآزر في مجتمع تقويه المحن، وتزيد لحمته الأزمات.

وفي السياق ذاته، نوه ملك البلاد تحت قبة البرلمان عطفا ومحبة بشعبه وبما قام به، داعما بقوة هذه القوة الإنسانية القيمية المغربية خارج مؤسسات الدولة، خلافا لما راج  في الصالونات الضيقة بكون جهات ما كانت تريد وضع حد لهذه الهبة الشعبية خوفا من الإحراج المؤسساتي، مما جعل خطاب الملك يضع حدا لتوجه رصد ما يقع بعين الريبة والقلق، فكانت درسا جديدا لثورة ملك وشعب متجددة.

وها نحن اليوم،  نعيش على صدى ارتفاع الأصوات المطالبة بالشفافية والمساءلة حول كيفية إدارة هذه الأموال وفعالية برنامج الإعمار، وعلى حركات موازية تتناسل كل يوم في ظل الإهمال والمعاناة، تطالب بالافتحاص والمساءلة، والوقوق على الاختلالات المحتلمة.

في هذا السياق، أصدرت الجمعية المغربية لحماية المال العام بيانًا قويًا طالبت فيه بفتح تحقيق شامل في ما وصفته باختلالات وشبهات فساد تتعلق ببرنامج إعادة الإعمار، خلال ندوة صحفية عُقدت أمس الخميس الماضي في مراكش، حيث أكدت فيها  أن عملية الإعمار شهدت خروقات متعددة، منها استفادة غير مستحقين من الدعم وحرمان أسر تعاني أوضاعًا صعبة.

وفي هذا الصدد، دعت الجمعية إلى الإفراج عن سعيد آيت مهدي، رئيس تنسيقية الضحايا، الذي يُتابَع قضائيًا بعد اتهامه بفضح تجاوزات في العملية. وأشارت الجمعية إلى أن ما قام به آيت مهدي يدخل ضمن حق المواطنين في الدفاع عن حقوقهم ومساءلة المسؤولين عن أي اختلالات.

وفي السياق ذاته انتقدت الجمعية ما وصفته بالتأخير الذي طال برنامج الإعمار لأكثر من عام، معتبرة أن غياب الشفافية وشح المعلومات يجعل الموضوع بمثابة “سر من أسرار الدولة”. وأوضحت أن هذا التأخير يفاقم معاناة السكان الذين لا يزالون يعيشون في ظروف قاسية داخل خيام بلاستيكية.

وفي سياق مماثل، ذكرت الجمعية بالتجارب الدولية، مثل تركيا وليبيا مؤكدة أنهما تمكنتا من إعادة إعمار المناطق المتضررة من كوارث طبيعية بسرعة وكفاءة، مما يزيد من حدة الانتقادات الموجهة للمسؤولين عن العملية

وفي هذا السياق،  نبهت الجمعية إلى ما وصفته تفشي الفساد في جهة مراكش-آسفي، مستشهدة بتقارير رسمية تؤكد أن هذه الظاهرة أصبحت تهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بسبب ما نعتته غياب المحاسبة، وتكريس الإفلات من العقاب، متسائلة عن أسباب غياب المساءلة تجاه منتخبين حسب الجمعية راكموا ثروات هائلة بشكل غير مشروع، داعية إلى تفعيل مؤسسات الرقابة ومحاسبة المتورطين في تبديد المال العام.

وجدير بالذكر أن هذه المطالب تكشف عن أزمة ثقة تتفاقم يوما عن يوم بين المواطنين والسلطات، حيث يتطلع المتضررون من الزلزال إلى تحقيق العدالة والحصول على حقوقهم في إطار برنامج إعادة الإعمار، وتفتح الباب لمزيد من التوتر والتأويلات.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الأخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق