دموع زينب العدوي: وطن جريح، بسكاكين الفساد المستشري

آخر تحديث :
دموع زينب العدوي: وطن جريح، بسكاكين الفساد المستشري
خالد أخازي

حينما تدمع عينا زينب العدوي رئيسة المجلس الأعلى للحسابات في سياق عرض لها عن الفساد، وهي المرأة القيادية القوية بامتياز، والتي تترأس أكبر مؤسسة لمراقبة المال العام، علينا أن نصمت، ونقف إجلالا للدمع الذي انهمر سال حرقة وخشوعا وتهيبا من آية تهز الجبال.

علينا أن نتأمل ما تقول بخشوع  دون صخب ولا لغب ونصرخ بوعي إنساني ووطني في وجه منظومة الفساد، “حينما تبكي زينب العدوي، فحتما الجريح هو الوطن… ولنا معكم مواعيد قربية… والتاريخ شاهد بيننا…

نعم…علينا أن ننصت لصدى جراح الوطن الخفية، دموع زينب العدوي حرقة على الوطن، وهي تملك سلطة الحساب، تجعلنا نتوقف عن كل مزايدة سياسوية، ونضع أيدينا على قلوبنا، خوفا من دلالات دموع عرت عجزنا جميعا ومدى توغل الفساد.

ففي لحظة نادرة من الصدق الإنساني، أطلقت زينب العدوي، رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، كلماتها في لقاء تواصلي مع المجلس العلمي الأعلى، وكأنها تحاول إعادة ترتيب مفاهيم العدالة في ذهن كل مسؤول.

كانت رسالتها أقوى من أي وصف، حديثها عن الفساد المالي والانتهاكات للملك العمومي لم يكن مجرد انتقاد عابر تقليدي، بل كان دعوة صادقة للضمير والعقل والوجدان.

“الممارسات المشينة التي يتعرض لها المال العام، لا يتقبلها العقل”، هكذا وصفت العدوي الوضع، كأنما هي تصف معركة حقيقية بين الحق والباطل.

لحظة تأملية: دموع تنبض بالألم

بينما كانت تتلو آية من القرآن الكريم: “وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغُلّ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ…”، توقفت العدوي للحظة، وكأن الكلمات كانت تثقل قلبها. دموعها التي انهمرت لم تكن مجرد دموع عابرة، بل كانت صرخة إنسانية تعبّر عن واقع مرير. لحظة خشوع حقيقية، بعيداً عن المجاملات السياسية، إذ بدت وكأنها تمثل صوت كل فرد عانى من غياب العدالة أو شهد على تدهور القيم في بلاده.

في تلك اللحظة، تذكرت كل المسؤوليات التي يتجاهلها البعض وتساءلت: أين نحن من هذه الأمانة؟

وزير الأوقاف أحمد التوفيق لم يتمالك نفسه أمام هذه اللحظة العميقة، فقال: «الخشوع الذي انتابك يجب أن ينتاب كل مسؤول». كلمات تهز الوجدان، وتحث الجميع على أن يتوقفوا لحظة ليتأملوا في المعنى العميق للعدالة.

من الفساد إلى الإهانة: قصص تكشف الوجه الآخر للممارسات العامة

في حديثها عن الفساد المالي، لم تقتصر العدوي على الإشارة إلى الحالات المعروفة فقط، بل رصدت جوانب خفية معتمة من الفساد، مثل تزوير الفواتير والغش في الأشغال، واعتداءات فاضحة على الملك العمومي.

وكأنما أرادت أن تقول إن الفساد لا يقتصر فقط على الأرقام، بل يتسلل إلى التفاصيل الصغيرة التي تمس حياة المواطنين.

الأكثر إيلاماً كان الحديث عن سرقة الرمال والماء، حيث تطال هذه الانتهاكات الموارد التي هي ملك للجميع، وتدمير بيئة يعول عليها المواطنون. لكن ما أثار الكثير من الانتباه كان الموقف الذي استحضرت فيه حادثة سرقة الورود من الشارع العام في فترة كانت فيها العدوي واليًا على جهة الغرب. ورد فعلها كان مفاجئًا، بعيدًا عن العقاب أو التساهل.

إذ اختارت أن تعرض السيدة المخالفة لفرصة للتوجيه، بإرسالها إلى مكان يمكنها من شراء الورد، بدلاً من تعريضها للعقوبات.

التوجيه، لا العقاب: دعوة للإصلاح الأخلاقي

ليس الفساد مجرد جريمة قانونية، بل هو مسألة ضمير وأخلاق. في تلك الحكاية الصغيرة عن الورود، قررت العدوي أن تكون هناك فرصة للإصلاح، بأن توجه السيدة إلى المكان الصحيح بدلاً من أن تعاقبها. هذه القصة الصغيرة تجسد فلسفة العدوي في التعامل مع الأزمات، وهي: أن التوجيه والإصلاح هما الطريق الأسمى، قبل أن يسود العقاب.

في هذا الموقف، قدمت زينب العدوي درساً في كيفية  التعامل مع القضايا العامة بروح إنسانية، بعيداً منهجيا عن المبالغة في ردود الفعل، والبحث عن حلول تُسهم في تطوير الفكر المجتمعي.

إنها دعوة للمسؤولين كي يكونوا جزءًا من الحل، لا مجرد حُكم على الأحداث.

دعوة للوعي الجماعي: المال العام أمانة

في النهاية، كانت كلمات العدوي أكثر من مجرد خطاب، كانت نداء للضمير الجمعي، تحث فيه الجميع على الانتباه إلى أمانة المال العام، وحماية الملك العمومي، ليس فقط من زاوية قانونية بحثة، بل من زاوية أخلاقية برؤية مجتمعية قيمية. في المغرب، حيث يعاني الكثير من المواطنين من مظاهر الفقر والتهميش، يأتي دور كل مسؤول في أن يكون نموذجًا يُحتذى به في الشفافية والعدالة.

ما طرحته العدوي كان بمثابة استيقاظ ضمير، ليس فقط للمسؤولين في الدولة، بل لكل فرد في هذا المجتمع. تلك اللحظة لم تكن مجرد كلام، بل كانت دعوة للإنسانية أن تسود في كل جانب من جوانب العمل العام، وأن تصبح العدالة القيمة الأساسية التي نبني عليها مستقبلنا.

دموع زينب العدوي…. اليوم…. أقسى من أي تقرير… لأنها تقرير إنساني عن وطن جريح.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الأخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق