محمد الشمسي*
أن يسمح الاتحاديون لإدريس لشكر بالترشح لولاية ثالثة على رأس أعتى الأحزاب الوطنية والديمقراطية، فهذا وحده فيه مس بقيمة وتاريخ وسيرة حزب كان يتخذ من الديمقراطية أوكسجينا، ومن التداول على السلطة ملة ودينا، لكن أن يظفر لشكر بعهدة ثالثة بعد عصر القوانين عصرا ولوْيِها لويا، فهذا انقلاب على عقيدة حزب عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي وغيرهم كثير من الاتحاديين الفضلاء.
ولكي ينجح لشكر في خطته فقد سلك مسالك الراسخين في عشق السلطة، حيث أطلق بداية تصريحات زهده في الترشح، متمنعا قانعا مكتفيا، حتى إذا شاعت رسالته بين الأمم، عاد ليحرك الكواليس، ويخلط الخلطات، فإذا بشيعة تهتف باسم “المُخلص لشكر” وتدعوه إلى العدول عن زهده الرئاسي، وإلى عدم حرمان حزب الوردة من “وردته الكبرى” التي “كيطيح ليها الندى”، وقالوا فيه شعرا تكسبيا، فهو عقل ومخ ومن دونه لا عقل ولا مخ.
ليرد لشكر الدعوة بأحسن منها، ويستجيب للنداءات ويقبل “المسكين” على مضض بولاية ثالثة، شريطة أن تكون اللعبة بأرنب سباق يركض ولا يفوز، فلشكر ولد الناس و”كيحشم” أنه يترشح بمفرده، وينتصر على روحه، ثم يخلف نفسه، فهذا يذكره بانتخابات زين العابدين بن علي وحسني مبارك وصدام حسين، فلا بد أن يفتش له الرفاق عن منافس، وإذا احترمت قواعد التلاعب فإن لشكر قد يقبل بولاية رابعة ثم خامسة وحتى عاشرة “إلا زاد الله في العمر” في وطن يلعب فيه “ملك الموت” دورا في التداول على تدبير الأحزاب، وربما يعفي لشكر نفسه من عناء هذا التصويت الممل والمهدر للمال والطاقة، ويتواضع بأن يعلن نفسه رئيسا أبديا أزليا ومطلقا، واللي معجبو حال باب المحكمة يِدخَّل جْمَل ..
أن ينحرف حزب عريق عن أصل من أصوله الثابتة، ويكفر بالوشم الذي وشمه كل اتحادي واتحادية على الجبين وعلى الساعد، وينحو منحى “أحزاب الباطرون”، فسيكون في الأمر صدمة وهزة تمنع رئيس الحزب أو نوابه البرلمانيين أن يقدموا للمغاربة دروسا في الديمقراطية التداولية والتشاركية وفي التناوب على رئاسة الحزب، وفي دمقرطته وفي الحكامة…
وهذا التناقض والنكوص والانفصام يولد القنوط والإحباط والخيبة لدى المواطن ويعمق لديه شعورا بانعدام الثقة في الفعل السياسي وفي عشيرة السياسيين، ويخدش صورة القدوة لدى بقايا المؤمنين بالسياسة، فيظهر أن المصالح ابتلعت المبادئ، وأن المنافع هي أم المعارك حتى لدى أحفاد من كان آباؤهم وأجدادهم رسل الديمقراطية…
أجدد القول أني غير منتم لحزب الاتحاد الاشتراكي ولا لغيره من الأحزاب، ولكم أجد اختياري في هجر الأحزاب صائبا وسديدا وأنا أشهد على “ردة اتحادية” غير مألوفة يحاول البعض تبريرها بمبررات خاوية، وحين يستفتونك في دمقرطة الأحزاب، قل هي كلام في كلام، فقد هرب الحزب من الديمقراطية، وزيف الإرادة الشعبية، وأهدر أو اختلس المال العام… وهنيئا لإدريس بالثالثة واللهم لا حسد، و”لعقوبا” للولاية المائة، “فلعطاتك ليام دير طروازيام”، مادام هناك من هم مستعدون لنحت مومياءات الفراعنة وتماثيل الآلهة الزائفة.
*كاتب وحقوقي