باتت عدد من الوسائل الإعلام ذات الهوى المشرقي تحشد القراء ومعها الجماهير ضد المغرب، فلأن المغرب أقام علاقة مع إسرائيل فإن الجزائر مستهدفة، وفلسطين ستبقى تحت الاحتلال الصهيوني، والاتحاد المغاربي سيتفكك، والقيامة ستقوم باقتناء المغرب لأسلحة إسرائيلية يحمي بها حدوده من غدر “الأشقاء”، بل ووصل بهم “الطنز” حد القول بتهديد يطال إسبانيا وفرنسا من تلك العلاقة…
لماذا اختار المغرب إخراج علاقته مع إسرائيل للعلن وهي التي كانت تتأرجح بين السر وشبهه؟ هل تحتاج الديبلوماسية المغربية إلى من يعلمها أو يوصيها أو يحذرها من دولة أو كيان؟ وهل فلسطين في ملكية المغرب حتى يمكنه بيعها إن شاء؟ بل هل المغرب مجاور لفلسطين حتى يمكنه التآمر عليها؟…
دعونا نعود لأصحاب الأعمدة الصدئة والمقالات الملتبسة، ممن يريدون جر المغرب إلى مقصلة التاريخ لصلبه من أجل غسل وهن وخطايا الأمة وتخلفها وعجزها، بل وتواكلها وتكالبها، أين كان أصحاب الأعمدة إياها حين رزخت مدن وجزر مغربية تحت نير الاحتلال الاسباني؟ ولماذا لم تتم الدعوة لإنشاء جيش عربي أو إسلامي موحد لتحرير تلك الثغور المغربية بشهادة التاريخ والجغرافيا؟.
ثم هذه قضية وحدتنا الترابية، لماذا لا تكون تلك المؤسسات الإعلامية محايدة إلا وهي تمزق الوحدة الترابية المغربية، فلا تذكر الأقاليم الجنوبية المغربية إلا وهي”الصحراء الغربية”، أو تصفها ب”الشعب الصحراوي”، أو تصفها بما هو أسوأ (…)، وحتى الإخوة الفلسطينيون لا نلومهم على موقفهم الغامض من وحدتنا المغربية، فهم يضعون قدما معنا وقدما مع “العدو ناكر المعروف”، ونقدر قلة حيلتهم وضعف وسيلتهم، ولو أن فاقد الشيء لا يعطيه، واعترافهم بوحدتنا سيكون فقط من باب شهادة الحق، وليس مجاملة أو محاباة… لكنهم لا يقوون على إغضاب الجنرالات…
إذا ففي قضية صحرائنا المغربية نجد “الأشقاء” تهافتوا على تمزيقها من مغربها، باعتراف البعض منهم بكيان وهمي انفصالي، يمثل عصابة إجرامية تحتجز مواطنين مغاربة في دولة جارة متواطئة، وتلزمهم بالعيش في مخيمات الذل والهوان، وتظهرهم أنهم شعب لاجئ، هل تعلمون أن دولا “شقيقة” مثل سوريا واليمن القابعة في أقصى الشرق تعترف بجمهورية الوهم التي لا تملك من مقومات الدولة غير خرقة رثة ترفرف فوق سماء أعداء المغرب؟
أما الدول “الشقيقة” المتاخمة للمغرب، والتي تتحمس لتمزيق الوحدة المغربية، فهي للأسف موريتانيا التي يذكر التاريخ أن قبائلها قصدوا القصر الملكي لمبايعة محمد الخامس وهذا الأخير رفض، والجزائر التي فضل المغرب عليها تاريخي ثابت ويسعى “الكابرانات” لطمسه، فإذا صحت رواية “بلد المليون ونصف شهيد”، فإن أرواح هؤلاء الشهداء تشهد أنهم أتقنوا فنون الشهادة والمقاومة فوق أرض المغرب، وتحت سمائه وبكرم من سلطاته، ومن “الأشقاء” كذلك دولة ليبيا التي كانت مختطفة من طرف العقيد المقبور الذي يذكر له التاريخ هو وبوخروبة (الهواري بومدين انقلابي الجزائر)، هما الأم التي أرضعت الانفصاليين بحليب الغدر، بتنسيق مع فيديل كاسترو وغيرهم من الأنظمة الشمولية التي عادت وتعادي الإنسانية.
لماذا لم تتحدث وسائل الإعلام تلك في أعمدتها ومقالاتها عن عداء جزائري رهيب وغير مسبوق للمغرب منذ استقلالها؟ لماذا لم تعب جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي على الجزائر حماستها لتمزيق المغرب، وتهديد أراضيه، وهي تحرض وتسلح مواطنين مغاربة ضد وطنهم، وتنفق ثروة الشعب لتجييش لوبيات عالمية لحصار المغرب؟
الآن باتت “الجزائر الشامخة” مهددة بعلاقة المغرب وإسرائيل…. ثم ماذا قدمت الجزائر للقضية الفلسطينية؟ وجنود من الذين استشهدوا في الجولان، ومداخل القدس الشريف، وعلى التخوم المصرية، في سنوات كانت فيها الجزائر لا تزال “مقاطعة فرنسية تابعة لعمدة باريس”؟ …
يعلم التاريخ أن كل الأنظمة العربية التي عايشت قيام الكيان الصهيوني، تواطأت ومالت وانضمت ووافقت، وشجعت على قيام الكيان وغصب فلسطين، بما في ذلك الفلسطينيون أنفسهم، لقد كان الإعصار أقوى من الجميع، وكانت قلوب الأنظمة ترتعش من غضبة أمريكية أو بريطانية أو فرنسية، أو حتى سوفياتية آنذاك تعصف بعروشهم، فلماذا نخفي رؤوسنا تحت معاطفنا ونطلق الكلام في شكل فقاعات؟
حين يجد المغرب نفسه محاطا بإخوة — وأستثني دول الخليج قاطبة التي كانت ولا تزال تدعم المغرب في صحرائه — ، إخوة مكرة خبثاء غدورون متخاذلون، تواقون لفصل رأس المغرب عن بقية الجسد، فهل بقي للدم والقرابة مكان؟ ألا يصبح من حقنا أن نتحالف مع الشيطان وسلالته؟
أيها المشارقة …. رفقا بمغربنا، وإن تبين لكم أن المغرب يدافع عن أرضه وحقه ضدا في مقالاتكم وأعمدتكم، فاشطبونا من عروبتكم التي لا تقبل بنا إلا ممزقي الوحدة، فنحن لا نتاجر بآلام فلسطين وبمعاناتها بغوغائية مقيتة نستجلب بها عاطفة الشعوب المندفعة، لأننا ندرك أن فلسطين ستبقى تحت الاحتلال ما بقيت كائنات سياسية تكتب أعمدتها ومقالاتها بتلك الرتابة، لأن الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه، وأعمدتكم ومقالاتكم تنبعث منها رائحة عائدات نفط وغاز الشعب الجزائري، الذي طرد محتلا، ليحكمه نظام مختل.