تعيش الأسر المغربية اليوم في دوامة من القلق والترقب، وسط مؤشرات اقتصادية تُنذر بمزيد من التدهور وتُحمل الحكومة مسؤولية عجزها عن التصدي للأزمات المتلاحقة. فقد كشفت المندوبية السامية للتخطيط أن أكثر من 80% من الأسر المغربية شهدت تراجعًا حادًا في مستوى معيشتها العام الماضي، بينما تتوقع أكثر من نصف هذه الأسر استمرار هذا التدهور خلال العام الجاري، في ظل غياب تدخلات فعالة تسهم في كبح الانحدار.
الارتفاع المهول في أسعار المواد الغذائية، والذي مس 97.5% من الأسر، يُمثل جرحًا غائرًا في جسد الاقتصاد الوطني. ومع توقع 83% من الأسر استمرار هذه الزيادات.
يبدو أن الحكومة تقف عاجزة أمام مد التضخم الذي يلتهم كل ما تبقى من قدرة المواطنين الشرائية. ولعل الأكثر قسوة أن نسبة الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها بالكاد تجاوزت 2.3%، في حين اضطر 41% من الأسر إلى استنزاف مدخراتها أو اللجوء إلى الاقتراض، ما يعكس حالة اقتصادية خانقة تتفاقم يومًا بعد يوم.
أما على مستوى القطاعات الحيوية، فإن الصورة تزداد قتامة. التعليم والصحة، وهما ركيزتا أي نهضة مجتمعية، يعانيان من تدهور مستمر. فقد أقرت 58% من الأسر بتراجع جودة التعليم، بينما صرحت 61% بأن خدمات الصحة أصبحت في حالة يرثى لها. هذا الفشل في تحسين الخدمات الأساسية يعكس غياب رؤية إصلاحية شاملة، ويُظهر أن الأولويات الحقيقية للمواطنين لا تزال تُهمش لصالح سياسات ترقيعية لا تُجدي نفعًا.
ورغم تسجيل تحسن طفيف في جودة الخدمات الإدارية، إلا أن هذا التحسن يبقى نقطة صغيرة في بحر من الإخفاقات. فمن غير المقبول أن تُهمل الحكومة اتخاذ تدابير شجاعة وحاسمة لمعالجة جذور الأزمة، تاركة المواطن يواجه مصيره وحيدًا في مواجهة أعباء المعيشة المتزايدة.
إن المشهد الحالي، الذي تصفه أرقام المندوبية بدقة، ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو نتيجة مباشرة لغياب استراتيجيات فعالة على المدى الطويل. اليوم، تُطرح الأسئلة بحدة على صناع القرار: إلى متى ستظل الحكومة تُدير ظهرها لمعاناة المواطنين؟ وهل ستتحرك قبل أن يتحول الإحباط الشعبي إلى أزمة أعمق تُهدد الاستقرار الاجتماعي؟
إن الوقت لم يعد يحتمل التأجيل. البلاد بحاجة إلى إصلاحات جذرية وقرارات جريئة، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.