قصاصات. ملفات صحفية دولية. خالد أخازي
في ظل الأزمة الصحية العالمية التي خلفها وباء كوفيد-19، وجدت الجزائر نفسها في مفترق طرق، حيث شكلت الجائحة تحديًا كبيرًا للنظام الحاكم، لكنها في الوقت ذاته قدمت له فرصة غير متوقعة لتعزيز قبضته على السلطة.
فبينما كان الشعب الجزائري يعاني من تداعيات الوباء، كان النظام يستغل الأزمة لتنفيذ استراتيجيات سياسية تهدف إلى تعزيز الاستقرار الداخلي على حساب المطالب الشعبية بالتغيير.
التعليق المفاجئ للحراك الشعبي
منذ أن بدأت جائحة كورونا في الانتشار في مارس 2020، فرضت السلطات الجزائرية إجراءات صحية صارمة من بينها الحجر الصحي وحظر التجوال، وهو ما كان له تأثير عميق على الحراك الشعبي الذي بدأ في فبراير 2019. كانت المظاهرات الأسبوعية، التي طالبت بتغيير النظام السياسي والاقتصادي، أحد أبرز التحديات التي واجهها الرئيس عبد المجيد تبون والحكومة. ومع تفشي الوباء، توقفت هذه الاحتجاجات بشكل شبه كامل، مما منح النظام فرصة ذهبية للتنفس والتعافي من ضغط الشارع.
وفقًا لتقرير صادر عن فرانس 24، أدى تفشي كورونا إلى توقف فعلي للحراك الشعبي، حيث لم يتمكن المحتجون من التظاهر بسبب قيود التنقل والاجتماعات التي فرضتها الحكومة. وعلى الرغم من أن الوضع الصحي كان يشكل تهديدًا حقيقيًا، فإن غياب التظاهرات في تلك الفترة كان بمثابة فوز للنظام الذي كان يواجه تحديات غير مسبوقة في تاريخه الحديث.
استغلال الأزمة لتأجيل الإصلاحات
في سياق متصل، استغل النظام الجزائري الجائحة كذريعة لتأجيل العديد من الإصلاحات السياسية التي كانت مطلوبة من قبل الحراك الشعبي. الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في 2020 تم تأجيلها، وبدلاً من ذلك، تم تقديم الوباء كسبب رئيسي لهذا التأجيل، مما سمح للنظام بإجراء تغييرات في مراكز السلطة دون الحاجة إلى الضغط الشعبي.
التحكم الكامل في الإعلام
لم تقتصر تدابير النظام الجزائري على السياسة الداخلية فحسب، بل شملت أيضًا الإعلام. مع بداية الجائحة، كثف النظام من سيطرته على وسائل الإعلام المحلية، حيث تم استخدام هذه الوسائل لتوجيه رسائل تدعم الحكومة وتظهرها في صورة القائد الذي يقود البلاد في مواجهة الوباء. وبحسب موقع “مغرب فيوز”، كانت هناك محاولات لتهميش الأصوات المعارضة، حيث تم تسليط الضوء على الإنجازات الحكومية في مكافحة كوفيد-19، بينما تم قمع أي محاولات نقدية أو احتجاجية.
وفي هذا السياق، أشار الباحث في الشؤون الجزائرية، سامي بوجو في حديثه مع مجلة “الشرق الأوسط” إلى أن “التحكم في الإعلام خلال أزمة كورونا كان بمثابة أسلوب آخر لتشويه صورة المعارضة، وتقديم النظام على أنه البطل في حربه ضد الوباء”.
تأجيل الانتخابات وتنفيذ التدابير المركزية
كما استفاد النظام الجزائري من الأزمة الصحية لتعزيز سلطته التنفيذية. فقد تم اتخاذ العديد من القرارات السياسية والصحية بشكل مركزي، دون التشاور مع البرلمان أو أي مؤسسات مستقلة، مما خلق بيئة من الاستبداد السياسي. هذا التوجه، الذي أشار إليه تقرير مؤسسة “سيفيرين” للبحوث السياسية، يعكس سياسة “توسيع السلطات التنفيذية” التي تبناها الرئيس تبون، في وقت كان يعاني فيه الجميع من تداعيات فيروس كورونا.
الضغط الاجتماعي والاقتصادي في ظل الجائحة
على الرغم من أن النظام استطاع أن يحقق نوعًا من الاستقرار السياسي، إلا أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في الجزائر كان يتدهور بشكل سريع.
ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، فقد تأثرت الطبقات الفقيرة بشكل كبير بسبب الأزمة الصحية، حيث انخفضت معدلات الدخل وتدهورت ظروف العمل في القطاع غير الرسمي. هذه التداعيات خلقت نوعًا من الإحباط في صفوف الشعب الجزائري، حتى وإن كانت الاحتجاجات قد توقفت في الشوارع.
الاستغلال السياسي للأزمة
العديد من المراقبين الدوليين، مثل الخبير السياسي الفرنسي، جان كلود كريستوف، أشاروا إلى أن النظام الجزائري قد استغل الجائحة لتحقيق مكاسب سياسية على حساب التغيير الديمقراطي الذي طالما طالب به الشعب.
وكما ذكر في حديثه لـ “موقع Le Point”، “يمكن القول إن النظام الجزائري استفاد من كورونا لتأجيل أي خطوة نحو الديمقراطية الحقيقية، بينما استمر في تعزيز سلطته عبر آليات غير شفافة”.
بينما شكلت جائحة كوفيد-19 تحديًا عالميًا غير مسبوق، فإن النظام الجزائري استطاع أن يحوّل هذه الأزمة إلى فرصة لتعزيز سلطته وتقليص مطالب التغيير السياسي. في الوقت الذي كانت فيه الجائحة تسبب معاناة اقتصادية واجتماعية واسعة، نجح النظام في فرض قبضته على السلطة عبر تأجيل الإصلاحات السياسية، التحكم في الإعلام، وتنفيذ تدابير استبدادية. ومع ذلك، تظل الأسئلة مطروحة حول كيفية تعامل النظام مع مطالب الشعب الجزائري بعد زوال الأزمة الصحية، ومدى استمرارية الاستقرار الذي حققه على المدى الطويل.
المصادر:
1. فرانس 24. 2. موقع مغرب فيوز.3. مجلة “الشرق الأوسط”. 4. مؤسسة “سيفيرين” للبحوث السياسية. 5. منظمة العفو الدولية.6. مجلة “Le Point”.