بنسعيد… الوزير الذي سرق أضواء المعارضة واستعار قبعة الغلوسي

Last Update :
بنسعيد… الوزير الذي سرق أضواء المعارضة واستعار قبعة الغلوسي
خالد أخازي

في المشهد الحزبي المغربي، كل شيء ممكن، وكل خرجة فرجة، وكل تصريح فضيحة، وكل بلاغ فقاعة فراغ، وكل إحاطة انتحار لغوب وقيمي،  كدنا ننسى"جذبة" لحسن السعدي الذي لايرى مؤشر الارتفاع إلا في الفايسبوك، معتبرا الجدل حول القوت تهريبا للنقاش الحقيقي، كالحماية الاجتماعية، مشروع الموت مع ميزة الشرف... الذي مسخوه حتى فقد نكهته الاجتماعية، وضل عن نبعه الأصيل التضامني.

فخرج وزير "حالة الطوارئ" في قطاعاته المتعددة: مجلس الصحافة تسيره لجنة مؤقتة، طال أمرها كأننا في زمن الحرب واتحاد كتاب المغرب المعطل وتسيره لجنة عالقة في النزاعات، وقطاع السينما الذي فقد المركز السينمائي المغربي رجاله ونساؤه من شخصيات الكاميرا ويدبر الآن في غرابة سريالية اللاسينمائيون ورجال ونساء الخشبة، وقطاع التخيييم الذي فقد طعمه بتخمة المفاهيم والصرعات المعلق المشاريع البنيوية إلى حين، وقطاع الشباب الذي  من على الشباب بجواز الشباب والغياب، والبقية منهم عليها أن تظهر على المنصات ضمن جيل 2030.

شهوة الوصول للحكومة تفرز عبر التاريخ السياسي المغربي المفاجآت والمسخ والنسخ، وتعري النفاق السياسي، وتكشف لنا يوما عن يوم، اختلالات المناعة السياسية ضد حمى الزعامة، وشيزوفرينية العقل الحزبي، أمراض مزمنة يؤدي فاتورتها المغاربة... والحقيقية أن بنسعيد يجيد المونودراما، أو المسرح الفردي، حيث الممثل يمكن أن يفارق ذاته ويصفعها ويعود ليعاتب محرض عبارة عن شخصية أخرى لا يحتاج فيها إلا إلى تعتيم سريع للمسرح ليغير قلعته.

هكذا اللعبة الديمقراطية.....هناك وزراء يحكمون، وهناك معارضون ينتقدون، لكن في المغرب هناك محمد المهدي بنسعيد… الذي قرر الجمع بين الاثنين...

الوزير جيل المونديال الذي حطم الرقم القياسي في زمن الحكي،لم يكتفِ بمقعده الوزاري، ففي تدوينة له عقب نهاية اجتماع المكتب الوطني تمدد ليأخذ أماكن أخرى.

جلس على كرسي محمد الغلوسي مدافعًا عن حرية التعبير، وخطف أضواء نبيلة منيب في انتقاد الغلاء والبطالة، واستعار من  بوانو خطابه القوي حول الاختلالات،  وتعلم فن زرع الشعر عفوا الشعارات من محمد أوزين... أقسم أن يحرم المعارضة من لذة المعارضة... نعم... للمعارضة لذة... لا يعلمها غير بنكيران وهو يمد رجليه في صالون بيت حرمه.والنتيجة؟ تدوينة قصيرة كانت كافية لإثارة زوبعة سياسية.

تدوينة بنسعيد لم تكن مجرد تعليق عابر، بل كانت بيانًا سياسيا بحجم "عنوان عريض" في أبهى إخراج على صفحته، تلخص أهم معالم اجتماع المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، ثاني قوة في الحكومة.

البام اكتشف فجأة أن الأسعار ملتهبة، وأن البطالة تتفاقم، وأن المغاربة يئنون تحت وطأة الغلاء… وكأنه كان في غيبوبة سياسية طوال هذه المدة! وكأن وزراءه لم يكونوا داخل دوائر القرار، وكأنهم لم يكونوا يوقعون على نفس القوانين التي أنتجت هذا الواقع.

لكن المثير أكثر أن بنسعيد، الذي من المفترض أن يكون وزيرًا للثقافة والتواصل، تحول إلى مدافع شرس عن حرية التعبير، وكأنه يخاطب معارضا لنفسه ولزميل له آخر في الحكومة، وليس نفسه الرجل الذي يشرف على الإعلام العمومي، والذي يُفترض أنه مسؤول عن تدبير هذا المجال. 

أصبح الرجل فجأة ينتقد الوضع ويطالب بالمزيد من الحريات! تخيلوا المشهد: وزير يرفع شعارات المعارضة ضد حكومة هو جزء منها، ويطالب نفسه باتخاذ إجراءات أكثر جرأة!

أما عن الحلول، فهي كالعادة جاهزة: 15 مليار درهم لسوق الشغل، وضرب بيد من حديد على الوسطاء والمضاربين، وكأن الحكومة كيان منفصل عن هؤلاء، وكأن الأسواق تتحكم فيها أشباح وليس قرارات رسمية.

إنها السياسة المغربية في أبهى تجلياتها: أن تحكم، ثم تعارض، ثم تشتكي، ثم ترفع سقف المطالب وكأنك مجرد متفرج في مدرجات البرلمان، وليس فاعلًا في قلب اللعبة.

بنسعيد لم يعد مجرد وزير، بل أصبح حالة سياسية خاصة: معارضا داخل الحكومة، منتقدا داخل الأغلبية، ومنظّرا لحرية التعبير في حكومة تُتهم بتضييقها... فهل هي عبقرية سياسية، أم مجرد بحث عن تموقع جديد؟ الأكيد أن الرجل خطف الأضواء… وحتى أدوار الآخرين...

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الأخبار العاجلة

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept