في خطوة ترافعية ميدانية مدنية، التأمت عدة أطياف من الأوساط الحقوقية والمدنية، في المبادرة المدنية من أجل الترافع ضد المادتين 3 و7 من قانون المسطرة الجنائية، داعية إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان يوم الثلاثاء 1 يوليوز 2025، ابتداءً من الساعة السادسة مساءً، وذلك للتنديد بما وصفته بـ"تراجعات تشريعية خطيرة تمس جوهر دولة القانون ومبادئ المحاسبة الديمقراطية".

تعديل يُقيد الحق في التبليغ المدني عن الفساد
تأتي هذه التعبئة المدنية في سياق رفض المقترحات الحكومية الرامية إلى تعديل المادتين 3 و7 من قانون المسطرة الجنائية، وهي تعديلات تعتبرها المبادرة بمثابة “ضرب مباشر” للدور المحوري الذي لعبته جمعيات المجتمع المدني، طيلة السنوات الماضية، في التبليغ عن قضايا الفساد ونهب المال العام، والترافع بشأنها أمام القضاء.
وترى المبادرة أن هذه التعديلات، التي تهدف إلى قصر رفع الشكايات على المتضرر المباشر فقط، تشكل تقييدًا ممنهجًا للحق في التقاضي المدني، وتُهدد بإغلاق باب المساءلة المجتمعية، في قضايا تتجاوز ضرر الأفراد إلى الإضرار بالصالح العام ومؤسسات الدولة.
مساس بدستور 2011 وبالالتزامات الدولية للمغرب
وتؤكد المبادرة، في نداءها المفتوح، أن هذه التراجعات التشريعية تتناقض بشكل صريح مع الفصل 12 من دستور 2011، الذي ينص على إشراك الجمعيات في تتبع وتقييم السياسات العمومية، ويدعم أدوارها الرقابية في مجالات الحوكمة ومحاربة الفساد.
وترى هذه المبادرة أن هذا التعديل يشكل تهديدًا لالتزامات المغرب الدولية، لا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC)، التي تُلزم الدول الأطراف بتمكين المجتمع المدني من الإبلاغ والمساهمة الفعالة في فضح جرائم الرشوة واستغلال النفوذ وتبديد المال العام.
دعوة إلى التعبئة المجتمعية الشاملة
ومن منطلق الدفاع عن استقلال القضاء وحق المواطنين في تتبع المال العام، دعت المبادرة كافة الفاعلين الديمقراطيين، والحقوقيين، والهيئات المهنية، والجمعيات المهتمة بمحاربة الفساد، إلى الانخراط في الوقفة الاحتجاجية، كخطوة نضالية أولى لوقف تمرير هذه التعديلات "غير الدستورية وغير الديمقراطية".
وفي تصريح لإحدى الفعاليات المشاركة، شددت على أن "معركة الشفافية والمحاسبة لا يمكن أن تُربح بدون مجتمع مدني قوي، فاعل، ومؤثر، وأن أي محاولة لتقليص صلاحياته أو تحييده عن ساحة الفعل العمومي هي نكسة قانونية وتراجع مقلق عن المكتسبات الديمقراطية".
الديمقراطية لا تنمو في الظل
إن الجمعيات المدنية لمحاربة الفساد وحماية المال العام والحقوقيين يرون أن التضييق على أدوار المجتمع المدني في مكافحة الفساد، وتقييد آليات التبليغ والتقاضي، لا يمثل فقط تراجعًا تشريعيًا، بل تهديدًا خطيرًا لتوازن السلط ولمبادئ الشفافية والمساءلة.
وفي هذا السياق يعتبرون أن الديمقراطية وحسب فاعل حقوقي لا تُبنى بإغلاق النوافذ، بل بفتح الأبواب أمام الرقابة المجتمعية، وتعزيز مشاركة المواطنين في حماية المال العام ومحاربة الإفلات من العقاب.
جدير بالذكر أن أصحاب المبادرة يروز أن هذه الوقفة المرتقبة ليست مجرد لحظة احتجاج، بل صرخة جماعية من أجل حماية دولة الحق والقانون، ورسالة واضحة إلى صانعي القرار مفادها أن محاربة الفساد ليست شعارًا، بل التزام دستوري ومجتمعي لا يقبل التنازل.