صرخة المتقاعد في وجه الحكومة: الكرامة لا تتقاعد

Last Update :
صرخة المتقاعد في وجه الحكومة: الكرامة لا تتقاعد
مولاي عبد الله الفيلالي

في خريف العمر، حيث ينتظر الإنسان بعض الاعتراف بما قدّمه من عطاء وعمل، يجد المتقاعد المغربي نفسه أمام واقع صادم: دولة ومجتمع يوشكان على طي صفحته كما لو أنّه لم يكن.

هذه ليست مأساة فردية، بل عنوان لأزمة أخلاقية وسياسية تعكس وجهًا خفيًا لليبرالية المتوحشة التي لا ترى في المواطن سوى رقم في معادلة ربح وخسارة.متقاعد.. أم ذاكرة حيّة منسيّة؟

المتقاعد ليس كائنًا خارج الزمن ولا عبئًا على الحاضر؛ إنّه ذاكرة حيّة تختزن تجارب عقود من العمل والخدمة. في الدول التي تحترم تاريخها، يُعامل المتقاعد باعتباره خزانًا معرفيًا يُستعاد كلما احتاجت الأمة إلى الخبرة والرأي.

أما عندنا، فالتقاعد يُترجم في الواقع إلى تهميش صامت: معاش هزيل لا يحفظ الكرامة، وغياب تام لأي برامج لدمج هذه الفئة في الحياة الاجتماعية والثقافية. بل إن الخطاب الرسمي كثيرًا ما يتعامل مع المتقاعد بوصفه مجرد عبء مالي، لا أكثر.

 

 

 

 

سياسة النسيان الممنهج

الحكومات المتعاقبة تتفنن في إنتاج لغة رسمية باردة تخفي حقيقة واحدة: المتقاعد خارج الحسابات. لا إصلاحات حقيقية للمعاشات، ولا رؤية لإدماج هذه الفئة في الحياة العامة، ولا حتى اعتراف صريح بأنّ سنوات الخدمة تستحق أكثر من مجرد "فتات" مالي.والبرلمان بدوره لا يتذكر المتقاعدين إلا في لحظات الانتخابات أو تحت ضغط الرأي العام، ثم يعود إلى صمته الطويل. إنّها عقلية اختزالية ترى الإنسان قيمةً ما دام يدرّ أرباحًا مباشرة، وتنسى أنّ المجتمعات التي تهمّش ذاكرتها الحيّة، تحكم على نفسها بتكرار الأخطاء.

من التقاعد إلى "الإعدام المعنوي"

الأخطر أنّ المتقاعد يُعامل سياسيًا كأنه جثة انتخابية. فما إن يرفع ورقة التقاعد في وجه الدولة حتى تتبخر حقوقه السياسية والرمزية. زيارة المتقاعدين تتحول إلى بروتوكول موسمي أشبه بزيارة القبور، بلا أثر ولا التزام.

هذه السياسة ليست مجرد ظلم اجتماعي؛ بل هي إعدام معنوي لجيل كامل خدم الدولة والمجتمع، وانتهى به المطاف خارج دائرة الاهتمام والاعتراف.

الكرامة لا تتقاعد

صرخة المتقاعد اليوم ليست طلبًا لمعاش إضافي بقدر ما هي مطالبة بحق أساسي: حماية الكرامة والاعتراف بالفضل. فالكرامة ليست منحة تُعطى أو تُسحب بقرار إداري، بل هي دين في عنق الدولة والمجتمع.وما يجب أن يتذكره صانع القرار، أنّ كل مواطن مهما علا شأنه اليوم، هو مشروع متقاعد غدًا. وما يُهمل اليوم سيرتدّ أثره على صورة المجتمع ومستقبل أجياله.

الأمم العاقلة تعرف أنّ حماية كرامة متقاعديها ليست ترفًا، بل استثمار في الذاكرة والهوية الوطنية. أما الأمم التي تسارع إلى كتابة شهادة وفاة معنوية لمتقاعديها، فهي تحفر قبر تاريخها بيدها.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Comments تعليق واحد
Type a small note about the comments posted on your site (you can hide this note from comments settings)
الأخبار العاجلة

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept